responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : شرح الطحاوية - ط دار السلام المؤلف : ابن أبي العز    الجزء : 1  صفحة : 525
عُثْمَانَ، فَلَمْ تُبْقِ مِنْ أَصْحَابِ بَدْرٍ أَحَدًا, ثم وقعت الفتنة الثانية، فَلَمْ تُبْقِ مِنْ أَصْحَابِ الْحُدَيْبِيَةِ أَحَدًا, ثُمَّ وَقَعَتِ الثَّالِثَةُ، فَلَمْ تَرْتَفِعْ وَلِلنَّاسِ طَبَاخٌ، أَيْ عَقْلٌ وَقُوَّةٌ, فَالْخَوَارِجُ وَالشِّيعَةُ حَدَثُوا فِي الْفِتْنَةِ الْأُولَى، وَالْقَدَرِيَّةُ وَالْمُرْجِئَةُ فِي الْفِتْنَةِ الثَّانِيَةِ، وَالْجَهْمِيَّةُ وَنَحْوُهُمْ بَعْدَ الْفِتْنَةِ الثَّالِثَةِ, فَصَارَ هَؤُلَاءِ {الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} [الأنعام: 195] , يُقَابِلُونَ الْبِدْعَةَ بِالْبِدْعَةِ، أُولَئِكَ غَلَوْا فِي عَلِيٍّ، وَأُولَئِكَ كَفَّرُوهُ! وَأُولَئِكَ غَلَوْا فِي الْوَعِيدِ، حَتَّى خلدوا بعض المؤمنين، وأولئك غلوا في الوعيد حَتَّى نَفَوْا بَعْضَ الْوَعِيدِ أَعْنِي الْمُرْجِئَةَ! وَأُولَئِكَ غَلَوْا فِي التَّنْزِيهِ حَتَّى نَفَوْا الصِّفَاتِ، وَهَؤُلَاءِ غَلَوْا فِي الْإِثْبَاتِ حَتَّى وَقَعُوا فِي التَّشْبِيهِ! وَصَارُوا يَبْتَدِعُونَ مِنَ الدَّلَائِلِ وَالْمَسَائِلِ مَا لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ، وَيُعْرِضُونَ عَنِ الْأَمْرِ الْمَشْرُوعِ، وَفِيهِمْ مَنِ اسْتَعَانَ عَلَى ذَلِكَ بِشَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْأَوَائِلِ: اليهود والنصارى والمجوس والصابئين، فثانهم قَرَءُوا كُتُبَهُمْ، فَصَارَ عِنْدَهُمْ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ مَا أَدْخَلُوهُ فِي مَسَائِلِهِمْ وَدَلَائِلِهِمْ، وَغَيَّرُوهُ فِي اللَّفْظِ تَارَةً، وَفِي الْمَعْنَى أُخْرَى! فَلَبَّسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ، وَكَتَمُوا حَقًّا جَاءَ بِهِ نَبِيُّهُمْ، فَتَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا وَتَكَلَّمُوا حِينَئِذٍ فِي الْجِسْمِ وَالْعَرَضِ وَالتَّجْسِيمِ، نَفْيًا وَإِثْبَاتًا.
وَسَبَبُ ضَلَالِ هَذِهِ الْفِرَقِ وَأَمْثَالِهِمْ، عُدُولُهُمْ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، الَّذِي أَمَرَنَا اللَّهُ بِاتِّبَاعِهِ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الْأَنْعَامِ: 153]. وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108] فوحد لفظ "صراطه" و"سبيله"، وَجَمَعَ "السُّبُلَ" الْمُخَالِفَةَ لَهُ, وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا، وَقَالَ: "هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ"، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ، وَقَالَ: "هَذِهِ سُبُلٌ، عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ"، ثُمَّ قَرَأَ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153] [1], ومن ههنا يُعْلَمُ أَنَّ اضْطِرَارَ الْعَبْدِ إِلَى سُؤَالِ هِدَايَةِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ فَوْقَ كُلِّ ضَرُورَةٍ، وَلِهَذَا شَرَعَ الله تعالى في الصلاة

[1] صحيح، رواه الحاكم وغيره "تخريج السنة" "رقم 17".
اسم الکتاب : شرح الطحاوية - ط دار السلام المؤلف : ابن أبي العز    الجزء : 1  صفحة : 525
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست