responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : شرح الطحاوية - ط دار السلام المؤلف : ابن أبي العز    الجزء : 1  صفحة : 516
{هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ} [الْحَجِّ: 19]، الْآيَاتِ.
وَأَكْثَرُ الِاخْتِلَافِ الَّذِي يَئُولُ إِلَى الْأَهْوَاءِ بَيْنَ الْأُمَّةِ, مِنَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَكَذَلِكَ إِلَى سَفْكِ الدِّمَاءِ وَاسْتِبَاحَةِ الْأَمْوَالِ وَالْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ؛ لِأَنَّ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ لَا تَعْتَرِفُ لِلْأُخْرَى بِمَا مَعَهَا مِنَ الْحَقِّ، وَلَا تُنْصِفُهَا، بَلْ تَزِيدُ عَلَى مَا مَعَ نَفْسِهَا مِنَ الْحَقِّ زِيَادَاتٍ مِنَ الْبَاطِلِ، وَالْأُخْرَى كَذَلِكَ, وَلِذَلِكَ جَعَلَ اللَّهُ مَصْدَرَهُ الْبَغْيَ فِي قَوْلِهِ: {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [الْبَقَرَةِ: 213]؛ لِأَنَّ الْبَغْيَ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ، وَذُكِرَ هَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْقُرْآنِ لِيَكُونَ عِبْرَةً لِهَذِهِ الْأُمَّةِ, وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْبَابِ مَا خَرَّجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ" [1]. فَأَمَرَهُمْ بِالْإِمْسَاكِ عَمَّا لَمْ يُؤْمَرُوا بِهِ، مُعَلِّلًا بِأَنَّ سَبَبَ هَلَاكِ الْأَوَّلِينَ إِنَّمَا كَانَ كَثْرَةَ السُّؤَالِ ثُمَّ الِاخْتِلَافَ عَلَى الرُّسُلِ بِالْمَعْصِيَةِ.
ثُمَّ الِاخْتِلَافُ فِي الْكِتَابِ، مِنَ الَّذِينَ يُقِرُّونَ بِهِ, عَلَى نَوْعَيْنِ: أَحَدُهُمَا اخْتِلَافٌ فِي تَنْزِيلِهِ، وَالثَّانِي اخْتِلَافٌ فِي تَأْوِيلِهِ, وَكِلَاهُمَا فِيهِ إِيمَانٌ بِبَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ:
فَالْأَوَّلُ كَاخْتِلَافِهِمْ فِي تَكَلُّمِ اللَّهِ بِالْقُرْآنِ وَتَنْزِيلِهِ، فَطَائِفَةٌ قَالَتْ: هَذَا الْكَلَامُ حَصَلَ بِقُدْرَتِهِ ومشيئته لكونه مخلوقا فِي غَيْرِهِ لَمْ يَقُمْ بِهِ، وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: بَلْ هُوَ صِفَةٌ لَهُ قَائِمٌ بِذَاتِهِ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، لَكِنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ, وَكُلٌّ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ جَمَعَتْ فِي كَلَامِهَا بَيْنَ حَقٍّ وَبَاطِلٍ، فَآمَنَتْ بِبَعْضِ الْحَقِّ، وَكَذَّبَتْ بِمَا تَقُولُهُ الْأُخْرَى مِنَ الْحَقِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ.
وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي تَأْوِيلِهِ، الَّذِي يَتَضَمَّنُ الإيمان ببعضه دون بعض، فكثير،

[1] صحيح، وهو مخرج في "الأحاديث الصحيحة" "850" برواية الترمذي وتصحيحه، وفي "الإرواء" "155، 314" برواية الشيخين وغيرهما، وقد ذكرت له فيه سبع طرق أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه.
اسم الکتاب : شرح الطحاوية - ط دار السلام المؤلف : ابن أبي العز    الجزء : 1  صفحة : 516
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست