responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : شرح الطحاوية - ط دار السلام المؤلف : ابن أبي العز    الجزء : 1  صفحة : 434
الْقُدْرَةِ، لَا نَفْيُ الْأَسْبَابِ وَالْآلَاتِ، لِأَنَّهَا كَانَتْ ثَابِتَةً, وَسَيَأْتِي لِذَلِكَ زِيَادَةُ بَيَانٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَلَا يُطِيقُونَ إِلَّا مَا كَلَّفَهُمْ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى, وَكَذَا قَوْلُ صَاحِبِ مُوسَى: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} [الْكَهْفِ: 67]. وَقَوْلُهُ: {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} , وَالْمُرَادُ مِنْهُ حَقِيقَةُ قُدْرَةِ الصَّبْرِ، لَا أَسْبَابُ [الصَّبْرِ] وَآلَاتُهُ، فَإِنَّ تِلْكَ كَانَتْ ثَابِتَةً لَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَاتَبَهُ عَلَى ذَلِكَ؟ وَلَا يُلَامُ مَنْ عَدِمَ آلَاتِ الْفِعْلِ وَأَسْبَابِهِ عَلَى عدم الفعل، وإنما يلام من امتنع من الفعل لتضييع قُدْرَةَ الْفِعْلِ، لِاشْتِغَالِهِ بِغَيْرِ مَا أُمِرَ بِهِ، أو [لعدم] شغله إياها بفعل مَا أُمِرَ بِهِ, وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْقُدْرَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا حِينَ الْفِعْلِ, يَقُولُونَ: إِنَّ الْقُدْرَةَ لَا تَصْلُحُ لِلضِّدَّيْنِ، فَإِنَّ الْقُدْرَةَ الْمُقَارِنَةَ لِلْفِعْلِ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِذَلِكَ الْفِعْلِ، وَهِيَ مُسْتَلْزِمَةٌ لَهُ، لَا تُوجَدُ بِدُونِهِ, وَمَا قَالَتْهُ الْقَدَرِيَّةُ, بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمُ الْفَاسِدِ، وَهُوَ إِقْدَارُ[1] اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ وَالْبَرِّ وَالْفَاجِرِ سَوَاءٌ، فَلَا يَقُولُونَ إِنَّ اللَّهَ خَصَّ الْمُؤْمِنَ الْمُطِيعَ بِإِعَانَةٍ حَصَّلَ بِهَا الْإِيمَانَ، بَلْ هَذَا بِنَفْسِهِ رَجَّحَ الطَّاعَةَ، وَهَذَا بِنَفْسِهِ رَجَّحَ الْمَعْصِيَةَ! كَالْوَالِدِ الَّذِي أَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ بَنِيهِ سَيْفًا، فَهَذَا جَاهَدَ بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَهَذَا قَطَعَ بِهِ الطَّرِيقَ: وَهَذَا الْقَوْلُ فَاسِدٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ، فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ لِلَّهِ عَلَى عَبْدِهِ الْمُطِيعِ نِعْمَةً دِينِيَّةً، خَصَّهُ بِهَا دُونَ الْكَافِرِ، وَأَنَّهُ أَعَانَهُ عَلَى الطَّاعَةِ إِعَانَةً لَمْ يُعِنْ بِهَا الْكَافِرَ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الْحُجُرَاتِ: 7]، فَالْقَدَرِيَّةُ يَقُولُونَ: إِنَّ هَذَا التَّحْبِيبَ وَالتَّزْيِينَ عَامٌّ فِي كُلِّ الْخَلْقِ، وَهُوَ بِمَعْنَى الْبَيَانِ وَإِظْهَارِ دَلَائِلِ الْحَقِّ. وَالْآيَةُ تَقْتَضِي أَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِالْمُؤْمِنِ، وَلِهَذَا قَالَ: {أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الْحُجُرَاتِ: 7]. وَالْكُفَّارُ لَيْسُوا رَاشِدِينَ, وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} [الْأَنْعَامِ: 125]. وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْآيَةِ في القرآن كثير، يبين أن سُبْحَانَهُ هَدَى هَذَا وَأَضَلَّ هَذَا. قَالَ تَعَالَى: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ

[1] في الأصل: إقرار.
اسم الکتاب : شرح الطحاوية - ط دار السلام المؤلف : ابن أبي العز    الجزء : 1  صفحة : 434
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست