responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : شرح الطحاوية - ط دار السلام المؤلف : ابن أبي العز    الجزء : 1  صفحة : 409
الْمُضْغَةِ، ثُمَّ شَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، وَرَكَّبَ فِيهِ الْحَوَاسَّ وَالْقُوَى[1]، وَالْعِظَامَ وَالْمَنَافِعَ، وَالْأَعْصَابَ وَالرِّبَاطَاتِ الَّتِي هِيَ أَشَدُّهُ، وَأَحْكَمَ خَلْقَهَ غَايَةَ الْإِحْكَامِ، وَأَخْرَجَهُ عَلَى هَذَا الشَّكْلِ وَالصُّورَةِ، الَّتِي هِيَ أَتَمُّ الصُّوَرِ وَأَحْسَنُ الْأَشْكَالِ كَيْفَ يَعْجِزُ عَنْ إِعَادَتِهِ وَإِنْشَائِهِ مَرَّةً ثَانِيَةً؟ أَمْ كَيْفَ تَقْتَضِي حِكْمَتُهُ وَعِنَايَتُهُ أَنْ يَتْرُكَهُ سُدًى؟ فَلَا يَلِيقُ ذَلِكَ بِحِكْمَتِهِ، وَلَا تَعْجِزُ عَنْهُ قُدْرَتُهُ, فَانْظُرْ إِلَى هَذَا الِاحْتِجَاجِ الْعَجِيبِ، بِالْقَوْلِ الْوَجِيزِ، الَّذِي لَا يَكُونُ أَوْجَزَ مِنْهُ، وَالْبَيَانِ الْجَلِيلِ، الَّذِي لَا يتوهم أوضح منه، ومأخذه لقريب، الَّذِي لَا تَقَعُ الظُّنُونُ عَلَى أَقْرَبَ مِنْهُ.
وَكَمْ فِي الْقُرْآنِ [مِنْ] مِثْلِ هَذَا الِاحْتِجَاجِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَة} [الْحَجِّ: 5]، إِلَى أَنْ قَالَ: {وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [الْحَجِّ: 7]. وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ} [الْمُؤْمِنُونَ: 12]، إِلَى أَنْ قَالَ: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 16]. وَذَكَرَ قِصَّةَ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَكَيْفَ أَبْقَاهُمْ موتى ثلاثماثة سَنَةٍ شَمْسِيَّةٍ، وَهِيَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَتِسْعُ سِنِينَ قَمَرِيَّةٍ، وَقَالَ فِيهَا: {وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا} [الْكَهْفِ: 21].
وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْأَجْسَامَ مُرَكَّبَةٌ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْمُفْرَدَةِ، لَهُمْ فِي الْمَعَادِ خَبْطٌ وَاضْطِرَابٌ. وَهُمْ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ: مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: تُعْدَمُ الْجَوَاهِرُ ثُمَّ تُعَادُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: تُفَرَّقُ الْأَجْزَاءُ ثُمَّ تُجْمَعُ. فَأُورِدَ عَلَيْهِمُ: الْإِنْسَانُ الَّذِي يَأْكُلُهُ حَيَوَانٌ، وَذَلِكَ الْحَيَوَانُ أَكَلَهُ إِنْسَانٌ، فَإِنْ أُعِيدَتْ تِلْكَ الْأَجْزَاءُ مِنْ هَذَا، لَمْ تُعَدْ مِنْ هَذَا؟ وَأُورِدَ عَلَيْهِمْ: أَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَحَلَّلُ دَائِمًا، فَمَاذَا الَّذِي يُعَادُ؟ أَهْوَ الَّذِي كَانَ وَقْتَ الْمَوْتِ؟ فَإِنْ قِيلَ بِذَلِكَ، لَزِمَ أَنْ يُعَادَ عَلَى صُورَةٍ ضَعِيفَةٍ، وَهُوَ خِلَافُ مَا جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَيْسَ بَعْضُ الْأَبْدَانِ بِأَوْلَى مِنْ بَعْضٍ! فَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ فِي الْإِنْسَانِ أَجْزَاءً أَصْلِيَّةً لَا تَتَحَلَّلُ، وَلَا يَكُونُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ الَّذِي أَكَلَهُ الثَّانِي! وَالْعُقَلَاءُ يَعْلَمُونَ أن بدن الإنسان نفسه كله يتحلل،

[1] قال عفيفي: انظر "مختصر الصواعق المرسلة" 104 - 106 ج1.
اسم الکتاب : شرح الطحاوية - ط دار السلام المؤلف : ابن أبي العز    الجزء : 1  صفحة : 409
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست