responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : شرح الطحاوية - ط دار السلام المؤلف : ابن أبي العز    الجزء : 1  صفحة : 407
الْمَوْتُ، كَالْحِجَارَةِ وَالْحَدِيدِ وَمَا هُوَ أَكْبَرُ فِي صُدُورِكُمْ مِنْ ذَلِكَ؟! فَإِنْ قُلْتُمْ: كُنَّا خَلْقًا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ الَّتِي لَا تَقْبَلُ الْبَقَاءَ, فَمَا الَّذِي يَحُولُ بَيْنَ خَالِقِكُمْ وَمُنْشِئِكُمْ وَبَيْنَ إِعَادَتِكُمْ خَلْقًا جَدِيدًا؟! وَلِلْحُجَّةِ تَقْدِيرٌ آخَرُ، وَهُوَ: لَوْ كُنْتُمْ مِنْ حِجَارَةٍ أَوْ حَدِيدٍ أَوْ خَلْقٍ أَكْبَرَ مِنْهُمَا، [فَإِنَّهُ] قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُفْنِيَكُمْ وَيُحِيلَ ذَوَاتَكُمْ، وَيَنْقُلَهَا مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، وَمَنْ يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي هَذِهِ الْأَجْسَامِ، مَعَ شِدَّتِهَا وَصَلَابَتِهَا، بِالْإِفْنَاءِ وَالْإِحَالَةِ, فَمَا الَّذِي يُعْجِزُهُ فِيمَا دُونَهَا؟ ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ يسألون آخرا بِقَوْلِهِمْ: مَنْ يُعِيدُنَا إِذَا اسْتَحَالَتْ جُسُومُنَا وَفَنِيَتْ؟ فَأَجَابَهُمْ بِقَوْلِهِ: {قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الْإِسْرَاءِ: 51] , فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الْحُجَّةُ، وَلَزِمَهُمْ حُكْمُهَا، انْتَقَلُوا إِلَى سُؤَالٍ آخَرَ يَتَعَلَّلُونَ بِهِ بِعِلَلِ الْمُنْقَطِعِ، وَهُوَ قَوْلُهُمْ: مَتَى هُوَ؟ فَأُجِيبُوا بِقَوْلِهِ: {عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا}.
وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ}؟ [يس: 78] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. فَلَوْ رَامَ أَعْلَمُ الْبَشَرِ وَأَفْصَحُهُمْ وَأَقْدَرُهُمْ عَلَى الْبَيَانِ، أَنْ يَأْتِيَ بِأَحْسَنَ مِنْ هَذِهِ الْحُجَّةِ، أَوْ بِمِثْلِهَا بِأَلْفَاظٍ تُشَابِهُ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ فِي الإيجاز ووضح الْأَدِلَّةِ وَصِحَّةِ الْبُرْهَانِ لَمَا قَدَرَ, فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ افْتَتَحَ هَذِهِ الْحُجَّةَ بِسُؤَالٍ أَوْرَدَهُ مُلْحِدٌ، اقْتَضَى جوابا، فكان في قوله: {وَنَسِيَ خَلْقَهُ} [يس: 78] مَا وَفَى بِالْجَوَابِ, وَأَقَامَ الْحُجَّةَ وَأَزَالَ الشُّبْهَةَ لما أَرَادَ سُبْحَانَهُ مِنْ تَأْكِيدِ الْحُجَّةِ وَزِيَادَةِ تَقْرِيرِهَا فَقَالَ: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس: 79]، فَاحْتَجَّ بِالْإِبْدَاءِ عَلَى الْإِعَادَةِ، وَبِالنَّشْأَةِ الْأُولَى عَلَى النَّشْأَةِ الْأُخْرَى. إِذْ كَلُّ عَاقِلٍ يَعْلَمُ ضَرُورِيًّا أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى هَذِهِ قَدَرَ عَلَى هَذِهِ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَاجِزًا عَنِ الثَّانِيَةِ لَكَانَ عَنِ الْأُولَى أَعْجَزَ وَأَعْجَزَ, وَلَمَّا كَانَ الْخَلْقُ يَسْتَلْزِمُ قُدْرَةَ الْخَالِقِ عَلَى الْمَخْلُوقِ، وَعِلْمَهُ بِتَفَاصِيلِ خَلْقِهِ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس: 79]. فَهُوَ عَلِيمٌ بِتَفَاصِيلِ الْخَلْقِ الْأَوَّلِ وَجُزْئِيَّاتِهِ، وَمَوَادِّهِ وَصُورَتِهِ، فَكَذَلِكَ الثَّانِي. فَإِذَا كَانَ تَامَّ الْعِلْمِ، كَامِلَ الْقُدْرَةِ، كَيْفَ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ أَنْ يُحْيِيَ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ؟ ثُمَّ أَكَّدَ الْأَمْرَ بِحُجَّةٍ قَاهِرَةٍ، وَبُرْهَانٍ ظَاهِرٍ، يَتَضَمَّنُ جَوَابًا عَنْ سُؤَالِ مُلْحِدٍ آخَرَ يَقُولُ: الْعِظَامُ إِذَا صَارَتْ رَمِيمًا عَادَتْ طَبِيعَتُهَا بَارِدَةً يَابِسَةً، وَالْحَيَاةُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَادَّتُهَا وَحَامِلُهَا طبيعة حَارَّةٌ رَطْبَةٌ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَمْرِ الْبَعْثِ، فَفِيهِ الدَّلِيلُ وَالْجَوَابُ مَعًا، فَقَالَ: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ

اسم الکتاب : شرح الطحاوية - ط دار السلام المؤلف : ابن أبي العز    الجزء : 1  صفحة : 407
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست