responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : شرح الطحاوية - ط دار السلام المؤلف : ابن أبي العز    الجزء : 1  صفحة : 365
الإيمان بالقدر خيره وشره
...
وَقَوْلُهُ"وَالْقَدَرِ خَيْرِه وَشَرِّه، وَحُلْوِه وَمُرِّه، مِنَ اللَّهِ تَعَالَى"-
تَقَدَّمَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حَدِيثِ جبْرائيلَ: "وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِه وَشَرِّه" [1]، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التَّوْبَةِ: 51]. وَقَالَ تَعَالَى: {إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} [النساء: 78] {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: 79] الآية.
فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلِهِ: {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [النساء: 78]، وبين قوله: {فَمِنْ نَفْسِكَ}؟ [النساء: 79]، قِيلَ: قَوْلُهُ: {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}: الْخِصْبُ وَالْجَدْبُ، وَالنَّصْرُ وَالْهَزِيمَةُ، [كُلُّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ]، وَقَوْلُهُ: {فَمِنْ نَفْسِك}: أَيْ مَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ مِنَ اللَّهِ فَبِذَنْبِ نَفْسِكَ عُقُوبَةً لَكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشُّورَى: 30]. يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ قَرَأَ: {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النِّسَاءِ: 79]، وَأَنَا كَتَبْتُهَا عَلَيْكَ. وَالْمُرَادُ بِالْحَسَنَةِ هُنَا النِّعْمَةُ، وَبِالسَّيِّئَةِ الْبَلِيَّةُ، فِي أَصَحِّ الْأَقْوَالِ, وَقَدْ قِيلَ: الْحَسَنَةُ الطَّاعَةُ، وَالسَّيِّئَةُ الْمَعْصِيَةُ. [و] قيل: الْحَسَنَةُ مَا أَصَابَهُ يَوْمَ بَدْرٍ، وَالسَّيِّئَةُ مَا أَصَابَهُ يَوْمَ أُحُدٍ, وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ شَامِلٌ لِمَعْنَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ, وَالْمَعْنَى الثَّانِي لَيْسَ مُرَادًا دُونَ الْأَوَّلِ قَطْعًا، وَلَكِنْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ سَيِّئَةُ الْعَمَلِ وَسَيِّئَةُ الْجَزَاءِ مِنْ نَفْسِهِ[2]، مَعَ أَنَّ الْجَمِيعَ مُقَدَّرٌ، فَإِنَّ الْمَعْصِيَةَ الثَّانِيَةَ قَدْ تَكُونُ عُقُوبَةَ الْأُولَى، فَتَكُونُ مِنْ سَيِّئَاتِ الْجَزَاءِ، مَعَ أَنَّهَا مِنْ سَيِّئَاتِ الْعَمَلِ، وَالْحَسَنَةُ الثَّانِيَةُ قَدْ تَكُونُ مِنْ ثَوَابِ الْأُولَى، كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ. وَلَيْسَ لِلْقَدَرِيَّةِ أَنْ يَحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمِنْ نَفْسِكَ}، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنْ فَعَلَ الْعَبْدُ -حَسَنَةً كَانَ أَوْ سَيِّئَةً- فَهُوَ مِنْهُ لَا مِنَ اللَّهِ! وَالْقُرْآنُ قَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَهُمْ لَا يُفَرِّقُونَ؛ وَلِأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى: {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}، فَجَعَلَ الْحَسَنَاتِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، كَمَا جَعَلَ السَّيِّئَاتِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِذَلِكَ فِي الْأَعْمَالِ، بَلْ فِي الْجَزَاءِ. وَقَوْلُهُ بَعْدَ هذا: "ما أصابك من حسنة" و"من سيئة"، [مثل قوله: "وإن تصبهم حسنة" و"إن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ"]. وَفَرَّقَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَيْنَ الْحَسَنَاتِ الَّتِي هِيَ النِّعَمُ، وَبَيْنَ السَّيِّئَاتِ الَّتِي هِيَ الْمَصَائِبُ، فَجَعَلَ هَذِهِ مِنَ اللَّهِ، وَهَذِهِ مِنْ نَفْسِ الْإِنْسَانِ، لِأَنَّ الْحَسَنَةَ مُضَافَةٌ إِلَى اللَّهِ، إِذْ هُوَ أَحْسَنَ بِهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَمَا مِنْ وَجْهٍ مِنْ أَوْجُهِهَا إِلَّا وَهُوَ يَقْتَضِي الْإِضَافَةَ إِلَيْهِ، وَأَمَّا السَّيِّئَةُ، فَهُوَ إِنَّمَا يَخْلُقُهَا لِحِكْمَةٍ، وَهِيَ بِاعْتِبَارِ تِلْكَ الْحِكْمَةِ مِنْ إِحْسَانِهِ، فَإِنَّ الرَّبَّ لَا يَفْعَلُ سَيِّئَةً قَطُّ، بَلْ فِعْلُهُ كُلُّهُ حَسَنٌ وَخَيْرٌ.
وَلِهَذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي الاستفتاح: "والخير كله بيديك، والشر ليس

[1] متفق عليه على التفصيل المشار إليه قبل قليل.
[2] قال عفيفي: انظر ص314 من كتاب "الإيمان".
اسم الکتاب : شرح الطحاوية - ط دار السلام المؤلف : ابن أبي العز    الجزء : 1  صفحة : 365
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست