responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : شرح الطحاوية - ط دار السلام المؤلف : ابن أبي العز    الجزء : 1  صفحة : 309
وَالْمَلَائِكَةُ فِي هَذَا الْوَصْفِ أَكْمَلُ، فَإِنَّهُمْ لَا يَسْأَمُونَ وَلَا يَفْتُرُونَ، فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ, هَذَا عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ "الْبَرِيئَةِ"، بِالْهَمْزِ وَعَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ بِالْيَاءِ، إِنْ قُلْنَا: إِنَّهَا مُخَفَّفَةٌ مِنَ الْهَمْزَةِ، وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهَا نِسْبَةٌ إِلَى الْبَرَى وَهُوَ التُّرَابُ، كَمَا قَالَهُ الْفَرَّاءُ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي "الصَّحَّاحِ"؛ يَكُونُ الْمَعْنَى: أَنَّهُمْ خَيْرُ مَنْ خُلِقَ مِنَ التُّرَابِ، فَلَا عُمُومَ فِيهَا، إذ الغير مَنْ خُلِقَ مِنَ التُّرَابِ. قَالَ الْأَوَّلُونَ: إِنَّمَا تَكَلَّمْنَا فِي [تَفْضِيلِ] صَالِحِي الْبَشَرِ إِذَا كَمُلُوا، وَوَصَلُوا إِلَى غَايَتِهِمْ وَأَقْصَى نِهَايَتِهِمْ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ إِذَا دَخَلُوا الْجَنَّةَ، وَنَالُوا الزُّلْفَى، وَسَكَنُوا الدرجات العلى، وَحَبَاهُمُ الرَّحْمَنُ بِمَزِيدِ قُرْبِهِ، وَتَجَلَّى لَهُمْ لِيَسْتَمْتِعُوا بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ. وَقَالَ الْآخِرُونَ: الشَّأْنُ فِي أَنَّهُمْ هَلْ صَارُوا إِلَى حَالَةٍ يَفُوقُونَ فِيهَا الْمَلَائِكَةَ أَوْ يُسَاوُونَهُمْ فِيهَا؟ فَإِنْ كَانَ قد ثبت لهم أَنَّهُمْ يَصِيرُونَ إِلَى حَالٍ يَفُوقُونَ فِيهَا الْمَلَائِكَةَ سُلِّمَ الْمُدَّعَى، وَإِلَّا فَلَا.
وَمِمَّا اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَفْضِيلِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْبَشَرِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} [النِّسَاءِ: 172]. وَقَدْ ثَبَتَ مِنْ طَرِيقِ اللُّغَةِ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَعْطُوفَ أَفْضَلُ مِنَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْوَزِيرُ أَنْ يَكُونَ خَادِمًا لِلْمَلِكِ، وَلَا الشُّرْطِيُّ أَوِ الْحَارِسُ! وَإِنَّمَا يُقَالُ: لَنْ يَسْتَنْكِفَ الشُّرْطِيُّ أَنْ يَكُونَ خَادِمًا لِلْمَلِكِ [وَلَا] الْوَزِيرُ. فَفِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ يَتَرَقَّى مِنَ الْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى، فَإِذَا ثَبَتَ تَفْضِيلُهُمْ عَلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ثَبَتَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، إِذْ[1] لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إِنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ دُونَ بَعْضٍ, أَجَابَ الْآخِرُونَ بِأَجْوِبَةٍ، أَحْسَنُهَا، أَوْ مِنْ أَحْسَنِهَا: أَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي فَضْلِ قُوَّةِ الْمَلَكِ وَقُدْرَتِهِ وَشِدَّتِهِ وَعِظَمِ خَلْقِهِ، وَفِي الْعُبُودِيَّةِ خُضُوعٌ وَذُلٌّ وَانْقِيَادٌ، وَعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يَسْتَنْكِفُ عَنْهَا وَلَا مَنْ هُوَ أَقْدَرُ مِنْهُ وَأَقْوَى وَأَعْظَمُ خَلْقًا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ الْأَفْضَلِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} [الْأَنْعَامِ: 50]. وَمِثْلُ هَذَا يُقَالُ بِمَعْنَى: إِنِّي لَوْ قُلْتُ ذَلِكَ

[1] في الأصل: إذا.
اسم الکتاب : شرح الطحاوية - ط دار السلام المؤلف : ابن أبي العز    الجزء : 1  صفحة : 309
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست