responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : شرح الطحاوية - ط دار السلام المؤلف : ابن أبي العز    الجزء : 1  صفحة : 274
يُوجَدُ مِنْ كَلَامِ الصَّحَابَةِ وَالْأَئِمَّةِ فِي ذَمِّ الْقَدَرِيَّةِ يَعْنِي بِهِ هَؤُلَاءِ، كَقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، لَمَّا قِيلَ لَهُ: يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ وَأَنَّ الْأَمْرَ أُنُفٌ: أَخْبِرْهُمْ أَنِّي مِنْهُمْ بَرِيءٌ وَأَنَّهُمْ مِنِّي بَرَاءٌ.
وَالْقَدَرُ، الَّذِي هُوَ التَّقْدِيرُ الْمُطَابِقُ لِلْعِلْمِ يَتَضَمَّنُ أُصُولًا عَظِيمَةً: أَحَدُهَا: أَنَّهُ عَالِمٌ بِالْأُمُورِ الْمُقَدَّرَةِ قَبْلَ كَوْنِهَا، فَيَثْبُتُ عِلْمُهُ الْقَدِيمُ، وَفِي ذَلِكَ الرَّدُّ عَلَى مَنْ يُنْكِرُ عِلْمَهُ الْقَدِيمَ. الثَّانِي: أَنَّ التَّقْدِيرَ يَتَضَمَّنُ مَقَادِيرَ الْمَخْلُوقَاتِ، وَمَقَادِيرُهَا هِيَ صِفَاتُهَا الْمُعَيَّنَةُ الْمُخْتَصَّةُ بِهَا، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا، قَالَ تَعَالَى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الْفُرْقَانِ: 2]. فَالْخَلْقُ يَتَضَمَّنُ التَّقْدِيرَ، تَقْدِيرَ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ، بِأَنْ يُجْعَلَ لَهُ قدرا، وَتَقْدِيرَهُ قَبْلَ وُجُودِهِ, فَإِذَا كَانَ قَدْ كَتَبَ لِكُلِّ مَخْلُوقٍ قَدْرَهُ الَّذِي يَخُصُّهُ فِي كَمِّيَتِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ، كَانَ ذَلِكَ أَبْلَغَ فِي الْعِلْمِ بِالْأُمُورِ الْجُزْئِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ، خِلَافًا لِمَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ وَقَالَ: إِنَّهُ يَعْلَمُ الْكُلِّيَّاتِ دُونَ الْجُزْئِيَّاتِ! فَالْقَدَرُ يَتَضَمَّنُ الْعِلْمَ الْقَدِيمَ وَالْعِلْمَ بِالْجُزْئِيَّاتِ, الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ أَنَّهُ أَخْبَرَ بِذَلِكَ وَأَظْهَرَهُ قَبْلَ وُجُودِ الْمَخْلُوقَاتِ إِخْبَارًا مُفَصَّلًا، فَيَقْضِي أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُعْلِمَ الْعِبَادَ الْأُمُورَ قَبْلَ وُجُودِهَا عِلْمًا مُفَصَّلًا، فَيَدُلُّ ذَلِكَ بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْخَالِقَ أَوْلَى بِهَذَا الْعِلْمِ، فَإِنَّهُ كَانَ يُعْلِمُ عِبَادَهُ بِذَلِكَ فَكَيْفَ لَا يَعْلَمُهُ هُوَ؟! الرَّابِعُ: أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ أَنَّهُ مُخْتَارٌ لِمَا يَفْعَلُهُ، مُحْدِثٌ لَهُ بِمَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ، لَيْسَ لَازِمًا لِذَاتِهِ. الْخَامِسُ: أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى حُدُوثِ هَذَا الْمَقْدُورِ، وَأَنَّهُ كَانَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، فَإِنَّهُ يُقَدِّرُهُ ثُمَّ يَخْلُقُهُ.
قوله: "فويل لمن صار لله تعالى في القدر خصيما، وأحضر للنظر فيه قَلْبًا سَقِيمًا، لَقَدِ الْتَمَسَ بِوَهْمِهِ فِي فَحْصِ الْغَيْبِ سِرًّا كَتِيمًا، وَعَادَ بِمَا قَالَ فِيهِ أفكا أثيما".
ش: [اعلم أن] الْقَلْبُ لَهُ حَيَاةٌ وَمَوْتٌ، وَمَرَضٌ وَشِفَاءٌ، وَذَلِكَ أَعْظَمُ مِمَّا لِلْبَدَنِ. قَالَ تَعَالَى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الْأَنْعَامِ: 122]. أَيْ كَانَ مَيِّتًا بِالْكُفْرِ فَأَحْيَيْنَاهُ بِالْإِيمَانِ, فَالْقَلْبُ الصَّحِيحُ الْحَيُّ إِذَا عُرِضَ عَلَيْهِ الْبَاطِلُ وَالْقَبَائِحُ نَفَرَ مِنْهَا بِطَبْعِهِ وَأَبْغَضَهَا وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا، بِخِلَافِ الْقَلْبِ الْمَيِّتِ، فَإِنَّهُ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَسَنِ وَالْقَبِيحِ، كَمَا قَالَ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: هَلَكَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَلْبٌ

اسم الکتاب : شرح الطحاوية - ط دار السلام المؤلف : ابن أبي العز    الجزء : 1  صفحة : 274
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست