responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : شرح الطحاوية - ط دار السلام المؤلف : ابن أبي العز    الجزء : 1  صفحة : 238
قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا خَرَجُوا يَسْتَسْقُونَ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا إِذَا أَجْدَبْنَا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِيَنَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا. مَعْنَاهُ بِدُعَائِهِ هُوَ رَبَّهُ وَشَفَاعَتِهِ وَسُؤَالِهِ، لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّا نُقْسِمُ عَلَيْكَ [بِهِ]، أَوْ نَسْأَلُكَ بِجَاهِهِ عِنْدَكَ، إِذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ مُرَادًا لَكَانَ جَاهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمَ وَأَعْظَمَ مِنْ جَاهِ الْعَبَّاسِ.
وَتَارَةً يَقُولُ: بِاتِّبَاعِي لِرَسُولِكَ وَمَحَبَّتِي لَهُ وَإِيمَانِي بِهِ وَسَائِرِ أَنْبِيَائِكَ وَرُسُلِكَ وَتَصْدِيقِي لَهُمْ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ مَا يَكُونُ فِي الدُّعَاءِ وَالتَّوَسُّلِ وَالِاسْتِشْفَاعِ.
فَلَفْظُ التَّوَسُّلِ بِالشَّخْصِ وَالتَّوَجُّهِ بِهِ فِيهِ إِجْمَالٌ، غَلِطَ بِسَبَبِهِ[1] مَنْ لَمْ يَفْهَمْ مَعْنَاهُ: فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ التَّسَبُّبُ بِهِ لِكَوْنِهِ دَاعِيًا وَشَافِعًا، وَهَذَا فِي حَيَاتِهِ يَكُونُ، أَوْ لِكَوْنِ الدَّاعِي مُحِبًّا لَهُ، مُطِيعًا لِأَمْرِهِ، مُقْتَدِيًا بِهِ، وَذَلِكَ أَهْلٌ لِلْمَحَبَّةِ وَالطَّاعَةِ وَالِاقْتِدَاءِ، فَيَكُونُ التَّوَسُّلُ إِمَّا بِدُعَاءِ الْوَسِيلَةِ وَشَفَاعَتِهِ، وَإِمَّا بِمَحَبَّةِ السَّائِلِ وَاتِّبَاعِهِ، أَوْ يُرَادُ بِهِ الْإِقْسَامُ بِهِ وَالتَّوَسُّلُ بِذَاتِهِ، فَهَذَا الثَّانِي هُوَ الَّذِي كَرِهُوهُ وَنَهَوْا عَنْهُ.
وَكَذَلِكَ السُّؤَالُ بِالشَّيْءِ، قَدْ يُرَادُ بِهِ التَّسَبُّبُ بِهِ، لِكَوْنِهِ سَبَبًا فِي حُصُولِ الْمَطْلُوبِ، وَقَدْ يُرَادُ [بِهِ] الْإِقْسَامُ بِهِ.
وَمِنَ الْأَوَّلِ: حَدِيثُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ أَوَوْا إِلَى الْغَارِ، وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" وَغَيْرِهِمَا، فَإِنَّ الصَّخْرَةَ انْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ، فَتَوَسَّلُوا إِلَى اللَّهِ بِذِكْرِ أَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ الْخَالِصَةِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَقُولُ: فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ فَخَرَجُوا يَمْشُونَ[2]. فَهَؤُلَاءِ: دَعَوُا اللَّهَ بِصَالِحِ الْأَعْمَالِ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ هِيَ أَعْظَمُ مَا يَتَوَسَّلُ بِهِ الْعَبْدُ إِلَى اللَّهِ، وَيَتَوَجَّهُ بِهِ إِلَيْهِ، وَيَسْأَلُهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ وَعَدَ أَنْ يَسْتَجِيبَ لِلَّذِينِ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّفَاعَةَ عِنْدَ اللَّهِ [لَيْسَتْ] كَالشَّفَاعَةِ عِنْدَ الْبَشَرِ، فَإِنَّ الشَّفِيعَ عِنْدَ الْبَشَرِ كَمَا أَنَّهُ شَافِعٌ لِلطَّالِبِ شَفَّعَهُ فِي الطَّلَبِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ صَارَ شفعا فيه بعد أن كان

[1] في الأصل: بتسببه.
[2] متفق عليه من حديث ابن عمر.
اسم الکتاب : شرح الطحاوية - ط دار السلام المؤلف : ابن أبي العز    الجزء : 1  صفحة : 238
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست