مخير، أي: له اختيار ومشيئة؛ فيقوم ويقعد ويتكلم بمشيئة، فهذا حق.
وإن أردت أنه مخير، أي: أن له مشيئة وقدرة لا ترتبط بمشيئة الله، فهذا باطل، قال تعالى: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله) أو أراد أن له الحرية المطلقة في أفعاله؛ فهو مخير بين الفعل والترك، كما يفهمه بعض الغالطين من قوله تعالى: (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) فإن هذا ليس تخييرا؛ بل هذا أسلوب تهديد ووعيد شديد، ولذا قال تعالى بعدها: (إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها).
وهكذا قول القائل هل العبد مسير؟ نقول: إذا كنت تريد أنه مسير، أي: أنه لا اختيار له ولا مشيئة فهذا باطل، وهذا هو الجبر. وإن أردت أنه مسير، أي: أن أفعاله تسير على وفق قدر الله ومشيئته، وأنه ميسر لما خلق له، كما جاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اعملوا فكل ميسر» [1]. فهذا حق.
والخلاصة: أن الكلمتين لم تردا في النصوص ولا يصح إطلاقهما نفيا ولا إثباتا لما فيهما من احتمال الحق والباطل [2].
وقوله: (وبين الأمن والإياس).
دين الإسلام وسط في باب الوعد والوعيد، بين الأمن والإياس، والله قد وصف عباده وأولياءه بالخوف والرجاء، قال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90] وقال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء: 57]، وقال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [السجدة: 16] فالوسطية ما دلت عليه هذه [1] تقدم تخريجه في ص 163. [2] انظر ص 165.