أخرى إنما هي قِيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فَقُهَ في دين الله ونفعه ما بعثني الله به؛ فعَلِم وعَلَّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به) [1].
قال العلماء في شرح هذا الحديث: إن حملة العلم نوعان:
علماء نقل ورواية، وعلماء فقهاء، وليس المراد بالفقهاء أولئك المعنيون بأقوال من يتبعونه من الأئمة؛ فإن الغالب على هؤلاء التقليد؛ بل المراد الفقهاء الذين جمعوا بين معرفة النصوص والفقه والفهم والاستنباط. فقوله - صلى الله عليه وسلم -: (فكان منها طائفة طيبة قبِلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير) هذا مثل للعلماء الفقهاء.
وقوله: (وكان منها أجادب أمسكت الماء) هذا مثل حفاظ السنة.
ولهذا قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما خطب بمنى: (فَلْيُبَلِّغْ الشاهدُ الغائِبَ فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعى من سامِع) [2] ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: (فذلك مثل من فَقُهَ في دين الله ونفعه ما بعثني الله به).
أما من أعرض فمثله في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (طائفة أخرى إنما هي قِيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأ) فلم تنتفع بهذا الغيث، ولهذا قال: (ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به).
فيجب على سائر الأمة أن يعرفوا لهؤلاء العلماء فضلهم؛ لأنهم حملة هذا الدين، والقائمون به، فتجب محبتهم لعلمهم ودينهم وإيمانهم، والحب في الله واجب لجميع المسلمين، لكن يجب إنزال كل أحد منزله، الصحابة لهم منزلة، وحبهم هو من الحب في الله، ولكن يجب لهم من المحبة والتقدير والذكر الجميل ما ليس لغيرهم، وهكذا العلماء يستوجبون من المحبة والإجلال والذكر الجميل والثناء العاطر ما لا يستحقه من دونهم، وأصل الحب في الله تابع لمحبة الله، فمن كان [1] رواه البخاري (79)، ومسلم (2282). [2] رواه البخاري (1741)، ـ واللفظ له ـ ومسلم (1679)، من حديث أبي بكرة - رضي الله عنه -.