الأجسام مركبة من جواهر مفردة، والجوهر الفرد هو الجزء الذي لا يتجزأ، وهم منازعون في دعوى وجود الجوهر الفرد.
والتحقيق أنه ما من جزء إلا ويتجزأ حتى يبلغ إلى غاية صغيرة فيستحيل أو يعدم، كما قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ [1].
فهؤلاء القائلون بنظرية الجوهر الفرد يقولون: إن البعث يكون بجمع تلك الجزيئات: فإذا مات الميت وتفرقت جزيئاته فيكون البعث بجمع تلك الجزيئات.
وهذا باطل؛ فإن الأجسام تستحيل وتتغير وتتحول من طبيعة إلى طبيعة، ثم يقال: إنه لو كان البعث بجمع تلك الجزيئات على فرض صحة الدعوى؛ للزم أن يكون كل إنسان يبعث على هيئته التي كان عليها، الكبير الهرم على هيئته، والصغير كذلك، وهذا مخالف للنصوص التي بيَّن الله تعالى فيها أنه يعيد ما تفرق واستحال، ثم ينشئها سبحانه وتعالى كما يشاء نشأة أخرى: ((وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا * وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى * مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى * وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى)) [النجم: 42 - 47]، وقال تعالى: ((أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ * نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ)) [الواقعة: 58 - 61] ننشئكم نشأة لا تعلمونها ولا تتخيلونها.
وقد ثبت في النصوص ذكر خلقة من يدخل الجنة ومن يدخل النار، وأن أجسامهم تكون ليست على هيئة أجسام الناس في هذه الدنيا؛ بل تختلف اختلافا كبيرا [2]، ينشئها الله نشأة أخرى تليق بالحياة الآخرة [1] مجموع الفتاوى 16/ 270، و 17/ 246، ومنهاج السنة 1/ 212 و 2/ 139 و 210. [2] في صحيح البخاري (6551)، ومسلم (2852) عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما بين منكبي الكافر مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع»، وفي صحيح البخاري (3326)، ومسلم (2841) عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «خلق الله آدم وطوله ستون ذراعا ... فكل من يدخل الجنة على صورة آدم».