وَلأجلِ ذَلِكَ لم يُقِرَّ الجَهمُ بالـ ... أروَاحِ خَارِجَةً عَنِ الأبدَانِ
لَكِنَّهَا مِن بَعضِ أعرَاضٍ بِهَا ... قَامَت وَذَا في غَايَةِ البُطلاَنِ
فالشَّأنُ للأرواحِ بَعدَ فراقِهَا ... أبدَانَنا وَاللهِ أعظَمُ شَانِ
إمَّا عذَابٌ أو نَعِيمٌ دَائِمٌ ... قَد نُعِّمت بِالرَّوحِ والرَّيحَانِ
وتصيرُ طيراً سَارِحاً مَع شكلِهَا ... تجني الثِّمارَ بِجَنَّةِ الحَيَوانِ
وَتَظَلُّ وَاردَةً لأنهَارٍ بِها ... حَتَّى تَعُودَ لِذَلِكَ الجُثْمَانِ
لَكِنَّ أرواحَ الذينَ استُشهِدُوا ... فِي جَوفِ طَيرٍ أخضَرٍ رَيَّانِ
فلهُم بذَاكَ مزيَّةٌ في عَيشِهِم ... ونَعِيمِهِم لِلرُّوحِ والأبدَانِ
بَذَلُوا الجُسُومَ لربِّهِم فأعَاضَهُم ... أجسَامَ تلكَ الطَّيرِ بالإحسَانِ
وَلَهَا قَنَادِيلٌ إليهَا تَنتَهِي ... مَأوَىً لَهَا كَمَسَاكِنِ الإِنسَانِ
فالرُّوحُ بَعدَ الموتِ أكمَلُ حَالَةٍ ... منهَا بِهَذِي الدَّارِ في جُثمَانِ
وَعذَابُ أشقَاهَا أشدُّ مِنَ الذِي ... قد عَاينَت أبصَارُنا بِعِيَانِ
والقَائِلُونَ بِأنَّهَا عَرَضٌ أبَوا ... ذَا كُلَّهُ تَبًّا لِذِي نُكرانِ
وقوله: (لمن كان له أهلا) عذاب القبر ليس لكل واحد، وجاء التصريح بعذاب القبر ونعيمه للمؤمن والكافر، أما العاصي؛ فإن أكثر النصوص لم تتعرض له، كما هو ظاهر في أمر فتنة القبر، إنما ذكر المؤمن الذي ينعم بعد الفتنة، والكافر والمنافق الذي يعذب بعدها، لكن العاصي يُخاف عليه العذاب، فالذي سُكت عنه هذا على خطر، فالمعاصي سبب للعذاب في الدنيا وفي البرزخ وفي الآخرة، والعاصي تحت المشيئة إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه، وأما المؤمن التقي فهو ناجٍ من العذاب، وهو من أهل النعيم والثواب.
ومسائل القبر هذه، هي التي بنى عليها الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ رسالته المعروفة بـ «ثلاثة الأصول».
وقد بلغ الأمر ببعض من يعظمون الوطن إلى درجة العبادة، أن يقول:
بنو وطني سأذكرهم ... متى ما عشتُ في الدنيا
وفي قبري أقول له ... إذا ما جاء يسألني