((إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلَاً صَالِحَاً)) [الفرقان: 70]، ((إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ)) [النساء: 17]، وهذا هو مقتضى مذهب الخوارج، فإن مذهبهم يتضمن أن مرتكب الكبيرة يخرج عن الإسلام، وأن مات على ذلك من غير توبة؛ فهو مخلد في النار كسائر الكفار، وهذا تقنيط للعصاة من رحمة الله، ولهذا قال الطحاوي: (والأمن والإياس ينقلان عن ملة الإسلام) ومقتضى هذا أنهما ردة عن الإسلام، ولا شك في كفر من قال: إن الله لا يتوب على من تاب، لمخالفة وتكذيب خبر الله سبحانه وتعالى في كتابه، وخبر رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
ويلاحظ أن الأمن غلو في الرجاء، والإياس غلو في الخوف، فالغلو في الخوف ينتهي إلى اليأس والتيئيس والتقنيط من رحمة الله، والغلو في الرجاء يفضي إلى الأمن من عذاب الله؛ ولكن إذا كان هذا اليأس عارضا للإنسان ليس عن اعتقاد؛ بل استعظم ذنبه، وخاف منه، وبلغ به الأمر أنه ظن بجهله أنه لا يغفر له؛ فهذا قد يعذر بأنه يسيء الظن بنفسه، وأن الله لا يغفر له لسوء عمله؛ مثل الذي أمر أولاده أن يحرقوه إذا مات لشدة خوفه من عذاب الله [1].
(وسبيل الحق بينهما) الصراط المستقيم بين الأمن واليأس، فالواجب على العبد أن يكون خائفا راجيا، فالرجاء من مقامات الدين، ومما أثنى الله به على المؤمنين: ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ)) [البقرة: 218]، وقال سبحانه وتعالى: ((وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ)) [الإسراء: 57].
والخوف من مقامات الدين، والله أثنى على أوليائه بأنهم يخافونه ويرجونه: ((يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفَاً وَطَمَعَاً)) [السجدة: 16]، وقال سبحانه وتعالى: ((يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبَاً وَرَهَبَاً)) [الأنبياء: 90]، وقال سبحانه وتعالى: ((أُوْلَئِكَ الَّذِينَ [1] رواه البخاري (3481)، ومسلم (2756) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.