وهذه الشفاعة لا ينكرها أحد من أهل البدع؛ لأنها لا تناقض شيئا من أصولهم.
والثانية: شفاعته - صلى الله عليه وسلم - في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة، فبعدما يجوزون الصراط يوقفون على قنطرة بين الجنة والنار فإذا هُذِّبُوا ونُقُّوا أذن لهم بدخول الجنة [1]، ثم إنهم لا يدخلون إلا بشفاعته - صلى الله عليه وسلم - [2].
وهاتان الشفاعتان خاصتان به - صلى الله عليه وسلم -.
والثالثة: شفاعته - صلى الله عليه وسلم - فيمن دخل النار من عصاة الموحدين أن يخرج منها، وهذا جاء صريحا في الأحاديث، وأنه - صلى الله عليه وسلم - يشفع أربع مرات وفي كل مرة: (يسجد - صلى الله عليه وسلم - لربه ويدعو ويستشفع فيقال له: ارفع رأسك، وقل تسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع، ثم أشفع: فيَحُدُّ لي حدًا فأخرجهم من النار}. (3)
وتواترت الأحاديث [4] بأنه يخرج من النار بهذه الشفاعات من قال: لا إله إلا الله، وفي قلبه مثقال خردلة، أو شعيرة، أو بُرَّة أو ذرة من إيمان، وأنهم يخرجون من النار وقد صاروا حُمَمًا ـ أي: مثل الفحم ـ فَيُلْقَون في نهر بأفواه الجنة يقال له: نهر الحياة، فَيَنْبُتُون كما تنبت الحِبَّة في حميل السيل. (5)
وهذه الشفاعة في أهل التوحيد لا تختص بالرسول - صلى الله عليه وسلم - لكن له من ذلك النصيب الأكبر والأعظم، فمن يخرج بشفاعته - صلى الله عليه وسلم - أكثر ممن يخرج بشفاعة غيره، وإلا فإنه تشفع الملائكة، ويشفع النبيون، ويشفع المؤمنون [1] رواه البخاري (2440) من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه -. [2] رواه مسلم (195) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، ومعناه (196) من حديث أنس - رضي الله عنه -.
(3) رواه البخاري (6565)، ومسلم (193) من حديث أنس - رضي الله عنه -. [4] الموضع السابق في المتواتر.
(5) رواه البخاري (7439)، ومسلم (183) من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.