إلى رد الحق؛ لأن المتكلم بذلك قد يريد حقا، فكان التوقف والاستفصال فيه مخرج من التورط برد الحق، أو الموافقة على الباطل، هذه قاعدة مقررة معروفة، وهي منهج من مناهج الجدل والمناظرة.
ونأتي لهذه الكلمات: (تعالى عن الحدود) هذا لفظ مجمل، والحد يطلق ويراد به تحديد الماهية، مثل الحد عند المناطقة، أي: التعريف الذي يتضمن تحديد كنه الشيء وماهيته؛ فإن أريد هذا فهو ممتنع، إذ لا سبيل إلى تحديد الرب تعالى وذكر حقيقته، فتعالى عن أن يحده الحادون، وأن يصلوا إلى معرفة كنهه وحقيقته، قال شيخ الإسلام: «أهل العقول هم أعجز عن أن يحدوه أو يكيفوه منهم عن أن يحدوا الروح أو يكيفوها» [1]، فهذا المعنى حق، تعالى الله عن أن يدرك أحد حقيقة ذاته أو حقيقة صفاته.
ويأتي لفظ (الحد) ويراد به أنه سبحانه وتعالى ليس ساريا في العالم حالا في المخلوقات؛ بل هو فوق سماواته، وهذا المعنى جاء عن الإمام ابن المبارك، لما قيل له: بماذا نعرف ربنا؟ قال: «بأنه فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه. قيل: بحد؟ قال: بحد» (2)
وقوله: (والغايات) الغاية تطلق ويراد بها النهاية، وتطلق ويراد بها المقصود من الفعل، أي: الحكمة منه، فإذا أريد أن الله تعالى منزه عن أن تكون له غايات في أفعاله؛ فهذا باطل؛ لأن الله له الحكمة البالغة في خلقه وفي شرعه، يقول شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ في التدمرية [3]: «والغايات المحمودة في مفعولاته ومأموراته ـ وهي ما تنتهي إليه مفعولاته ومأموراته من العواقب الحميدة ـ تدل على حكمته البالغة». [1] التدمرية ص 179.
(2) نقض عثمان بن سعيد ص 57 والرد على الجهمية ص 48، والسنة لعبد الله بن أحمد 1/ 174، والإبانة 3/ 158، وانظر: بيان تلبيس الجهمية3/ 42. [3] ص 123.