اسم الکتاب : شفاء الضرر بفهم التوكل والقضاء والقدر المؤلف : البدراني، أبو فيصل الجزء : 1 صفحة : 39
قضائه وقدره، ولكنه {قد جعل الله لكل شيء قدرا} أي: وقتا ومقداراً، لا يتعداه ولا يقصر عنه اهـ.
ووعود الله الكريمة للمؤمنين تتحقق بالطريقة التي تتفق مع الحكمة من الخلق، وهي الابتلاء والامتحان، والتمييز والتمحيص.
وأما الجمع بين قوله تعالى: وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ {المائدة:67} وحديث: "احفظ الله يحفظك"، وبين ما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم في بدنه من بلاء، فقال ابن عادل في (اللباب): الجواب أن قوله تعالى: (والله يعصمك من الناس) المراد به عصمة القلب والإيمان لا عصمة الجسد عما يرد عليه من الأمور الحادثة الدنيوية، فإنه عليه السلام قد سحر وكسرت رباعيته ورمي عليه الكرش والثرب وآذاه جماعة من قريش اهـ.
وقال أحد أهل العلم عن ذات الإشكال: نظراً لشدة عداوة الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم، وكثرتهم وقوتهم، وحرصهم على قتله صلى الله عليه وسلم والتخلص منه بكل وسيلة اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم الحرس في بداية الأمر كما تُمليه السنن الكونية والطبيعة البشرية .. فلما نزل عليه قول الله تبارك وتعالى: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ {المائدة: 67}. ترك الحرس فلم يصل إليه عدوّ بقتل ولا أسر ولا قهر .. مع كثرة الأعداء وكثرة محاولاتهم، والأمثلة على ذلك كثيرة ثابتة فمنها محاولة عمير بن وهب وصفوان بن أمية، ومحاولة عامر بن الطفيل وأربد بن قيس، ومحاولة بني قينقاع، ومحاولة اليهودية التي أهدت للنبي - صلى الله عليه وسلم - ذراع الشاة المسمومة، وهي ثابتة في كتب السنة، ولكن الله سبحانه وتعالى عصمه من تلك المحاولات ومن غيرها , وقد استشكل بعضهم أن اليهود سحروه ووضعوا له السم وأن قريشاً شجوه وكسروا رباعيته ... ولا إشكال في ذلك، فما أصابه صلى الله عليه وسلم من الآلام والأذى ... في سبيل الله إنما هو لرفع درجاته وتعظيم أجره عند الله تعالى، وليتأسى به الدعاة والعلماء المصلحون .. من بعده. فالله سبحانه وتعالى ضمن له العصمة والسلامة من القتل والأسر وزوال العقل وتلف الجملة .. حتى يبلغ رسالته ويكمل دينه , وأما عوارض الأذى فلا تمنع عصمة الجملة، ولم تكن تهم النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كان الذي يهمَه هو الخوف من القضاء على شخصه قبل أن يبلغ رسالة ربه , وعندما أكمل الله الدين لعباده وأتم عليهم نعمته بكمال تشريعه وأصبح رجال الإسلام الذين تعهدهم النبي صلى الله عليه وسلم بالتربية قادة قادرين على حمل الدين وتبليغه أجرى الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم سنته الماضية في خلقه، كما قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ {آل عمران: 185}. وبدأ النبي صلى الله عليه وسلم يحس بأن مهمته في هذه الحياة قد انتهت، وأنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح للأمة، وجاهد في الله حق جهاده ... فأشار إلى ذلك في حجة الوداع عندما خطب في تلك الجموع الحاشدة، فبين لهم شرائع الإسلام وأوصاهم وصية مودع .. وقال: لعلي لا ألقاكم في موضعي هذا بعد عامي هذا!. فلم يكن موته صلى الله عليه وسلم فجأة ولا بسبب قتل أو اغتيال وإنما كانت موتة طبيعية بسبب الحمى والصداع
اسم الکتاب : شفاء الضرر بفهم التوكل والقضاء والقدر المؤلف : البدراني، أبو فيصل الجزء : 1 صفحة : 39