اسم الکتاب : مفهوم الولاء والبراء في القرآن والسنة المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 293
التعبير في صورة الاستفهام .. ومجرد التلويح بالاستفهام يكفي في خطاب قلوب المؤمنين! وطرقة أخرى عالية على هذه القلوب. غير موجهة إليها مباشرة. ولكن عن طريق التلويح .. طرقة تقرر المصير الرعيب المفزع المهين للمنافقين: «إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ. وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً».في الدرك الأسفل .. إنه مصير يتفق مع ثقلة الأرض التي تلصقهم بالتراب، فلا ينطلقون ولا يرتفعون. ثقلة المطامع والرغائب، والحرص والحذر، والضعف والخور! الثقلة التي تهبط بهم إلى موالاة الكافرين ومداراة المؤمنين. والوقوف في الحياة ذلك الموقف المهين: «مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ. لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ» .. فهم كانوا في الحياة الدنيا يزاولون تهيئة أنفسهم وإعدادها لذلك المصير المهين «فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ» .. بلا أعوان هنالك ولا أنصار .. وهم كانوا يوالون الكفار في الدنيا، فأنى ينصرهم الكفار؟
ثم يفتح لهم - بعد هذا المشهد المفزع - باب النجاة .. باب التوبة لمن أراد النجاة: «إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا، وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ، وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ. فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ. وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً» .. وفي مواضع أخرى كان يكتفي بأن يقول: «إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا» .. فالتوبة والإصلاح يتضمنان الاعتصام بالله، وإخلاص الدين لله. ولكنه هنا ينص على الاعتصام بالله، وإخلاص الدين لله. لأنه يواجه نفوسا تذبذبت، ونافقت، وتولت غير الله. فناسب أن ينص عند ذكر التوبة والإصلاح، على التجرد لله، والاعتصام به وحده وخلاص هذه النفوس من تلك المشاعر المذبذبة، وتلك الأخلاق المخلخلة .. ليكون في الاعتصام بالله وحده قوة وتماسك، وفي الإخلاص لله وحده خلوص وتجرد ..
بذلك تخف تلك الثقلة التي تهبط بالمنافقين في الحياة الدنيا إلى اللصوق بالأرض، وتهبط بهم في الحياة الآخرة إلى الدرك الأسفل من النار. وبذلك يرتفع التائبون منهم إلى مصاف المؤمنين المعتزين بعزة الله وحده. المستعلين بالإيمان. المنطلقين من ثقلة الأرض بقوة الإيمان .. وجزاء المؤمنين - ومن معهم - معروف: «وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً».
اسم الکتاب : مفهوم الولاء والبراء في القرآن والسنة المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 293