responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : من مخازي الرافضة عبر التاريخ المؤلف : -    الجزء : 1  صفحة : 85
تتبع خلفاء المسلمين للباطنية وقتلهم
فهَذَا الخَلِيفَةُ المَهدِيِّ العَبَّاسِيِّ, عُرِفَ بِشِدَّتِهِ عَلى مُبتَدِعِيهِم وَزَنَادِقَتِهِم, حَيثُ انتَشَرَت في العَهدِ العَبَّاسِيِّ بِدَعُهُم وَرَاجَت سُوقُهُم , حَتَّى إِنَّهُ كَلَّفَ الجَدَلِيِّينَ مِنَ المُتَكَلِّمِينَ بِتَألِيفِ الكُتُبِ في الرَّدِّ عَليهِم وَدَحضِ شُبَهِهِم, وَلم يَكتفِ بِذَلكَ؛ بَل أَنشَأَ هَيئَةً مُتَخَصِّصَةً في مُلاحَقَةِ الزَّنَادِقَةِ, وَجَعَلَ لها رَئِيسَاً أَطلَقَ عَليهِ اسمَ "صَاحَبُ الزَّنَادِقَةِ" يُلاحِقُهُم وَيَقتُلُ كَلَّ مَن دَاهَنَ عَن الدِّينِ أَو أَلحَدَ فِيهِ.
وَفَوقَ ذَلِكَ, كَلَّفَ ابنَهُ "الهَادِي" بِتَتَبُّعِ الزَّنَادِقَةِ وَالبَطش بهم.
قَالَ "المَسعُودِيُّ" في "المَهدِيِّ": " إِنَّهُ أَمعَنَ في قَتلِ المُلحِدِينَ وَالمُدَاهِنِينَ عَن الدِّينِ لِظُهُورِهِم في أَيَّامِهِ وَإِعلانهِم عَن مُعتَقَدَاتِهِم في خِلافَتِهِ, لمَّا انتَشَرَ مِن كُتُبِ "ماني" و"ابن ذي صانا" و"مرقيون" ممَّا نَقَلَهُ عَبدُ اللهِ بنُ المُقَفَّعِ وَغَيرُهُ وَتَرجَمَهُ مِن الفَارِسِيَّةِ وَالفَهلَوِيَّةِ إِلى العَرَبِيَّةِ.
ومَا صَنَّفَ في ذَلِكَ "ابنُ أَبي العَوْجَاءِ" و"حَمَّادٌ" و"يحيَى بنُ زِيَادٍ" و"مُطِيعٌ بنُ إِيَاسٍ" مِن تَأيِيدِ المَذَاهِبِ "المَانَوِيَّةِ" و"َالدَّيصَانِيَّةِ" و"المَرقُونِيَّةِ", فَكَثُرَ بِذَلِكَ الزَّنَادِقَةُ, وَظَهَرَت آرَاؤُهُم في النَّاسِ, وَكَانَ المَهدِيُّ أَوَّلَ مَن أَمَرَ الجَدَلِيِّينَ مِن أَهلِ البَحثِ مِنَ المُتَكَلِّمِينَ بِتَصنِيفِ الكُتُبِ في الرَّدِّ عَلى المُلحِدِينَ ممَّن ذَكَرنَا مِنَ الجَاحِدِينَ وَغَيرِهِم, وَأَقَامُوا البَرَاهِينَ عَلَى المُعَانِدِينَ, وَأَزَالُوا شُبَهَ المُلحِدِينَ فَأَوضَحُوا الحَقَّ لِلشَّاكِينَ" ا. هـ [1].
وأَمَّا السَّلاجِقَةُ الأَترَاكُ مِن أَهلِ السُّنَّةِ فَقَد كَانَ لهُم كَذَلِكَ مَوَاقِفُ حَاسِمَةٌ مِنَ الرَّافِضَةِ البَّاطِنِيَّةِ وَقِتَالهِم ... وَمِن ذَلِكَ مَا كَانَ مِن السُّلطَانِ "مَلِك شَاه" مِن إِرسَالِ أَحَدِ عُلَمَائِهِ لِمُنَاظَرَةِ "الحَسَنِ بِن صَالح الصَّبَاح" المُؤَسِّسُ الحَقِيقِيُّ لِلمَزَارِيَّةِ الإِسمَاعِيلِيةِ, وَرَئِيسِهَا الفِعلِيِّ, بَعدَ استِيلائِهِ عَلى قَلعَةِ "آلموت" عَامَ 483 هـ
وَبَعدَ أَن نَشَرَ جَيشَهُ مِنَ الفِدَائِيَّةِ الذِينَ كَانُوا يَعِيثُونَ في الأَرضِ فَسَادًا؛ يَغتَالُونَ الآمِنِينَ, وَينهَبُونَ أَموَالهُم؛ فَأَرسَلَ إِليهِ أَولاً مَن يُنَاظِرُهُ فِكرِيًّا لِرَدِّهِ إِلى جَادَّةِ الصَّوَابِ لَو كَانَ مُرِيدَ حَقٍّ وَصَاحِبَ شُبهَةٍ.
ولمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ صَاحِبُ هوَىً وَشَهوَةٍ وَرَأَى امتِنَاعَهُ؛ قَرَّرَ السُّلطَانُ "مَلِك شَاه" رَدعَهُ بِالقِتَالِ؛ فَأَرسَلَ لَهُ جَيشَاً عَامَ 485 هـ فَحَاصَرَ قَلعَتَهُ "أَلمُوت", فَاستَنجَدَ "الصَّبَاحُ" في قَزوِينَ "بِدَهدَار أَبي عَلِيّ" الذِي بِدَورِهِ هَبَّ لِنَجدَتِهِ مِمَّا أَلحقَ الهَزِيمَةَ بِجَيشِ "مَلِكِ شَاه", وَمَعَ ذَلِكَ لم يَتَوَقَّف "مَلِكُ شَاه" مِن مُوَاصَلَةِ جِهَادِهِ ضِدَّ هَذَا البَاطِنِيِّ؛ بَل رَاحَ يُجَهِّزُ حَمَلاتٍ أُخرَى لِلقَضَاءِ عَلَى البَاطِنِيَّةِ, إِلا أَنَّ المَوتَ حَالَ دُونَهُ وَدُونَ إكمَالِ هَذِهِ الحَربِ.
وبَعدَ مَوتِ "مَلِك شَاه"؛ تَوَلى ابنَهُ السُّلطَانُ "بَارِتيَار" السُّلطَةَ, فَكَانَ مِن أَهَمِّ أَعمَالِهِ أَن طَهَّرَ جَيشَهُ مِن هَؤُلاءِ الذِينَ كَانُوا يَندَسُّونَ بَينَ صُفُوفِ الجُنُودِ وَهُم يَحمِلُونَ الفِكرَ وَالحِقدَ البَاطِنِيَّ؛ فَقَتَلَ كُلَّ مَن ثَبَتَ عَليهِ تُهمَةُ الانتِسَابِ لِلبَاطِنِيَّةِ, أَو حَتَّى مَن حَامَت حَولَهُ الشُّبَهُ, ثُمَّ هَاجَمَ البَاطِنِيَّةَ في كُلِّ مَكَانٍ فَأُخِذُوا مِن خِيَامِهِم وَمَنَازِلهِم, وَقُتِلُوا في مَيدَانٍ عَامٍّ, وَلم يُفلِت مِنهُم إِلا مَن لم يُعرَف, وَبَلَغَ عَدَدُ القَتلَى مِنهُم ثَلاثُمَائَةِ وَنَيِّفاً.
ولم يَكتَفِ بِذَلِكَ؛ بَل إِنَّهُ أَذِنَ لِلنَّاسِ أَن يَقتُلُوهُم أَينَمَا ثَقِفُوهُم؛ فَأَخَذَ النَّاسُ يَتَتَبَّعُونَ البَاطِنِيَّةَ وَيَقتُلُونَهُم, حَتَّى أَنَّ أَحَدَ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ, وَاسمُهُ "أَبي القَاسِمِ مَسعُودٌ بنُ مُحَمَّدٍ الخَجَندِيِّ" كَانَ يَحفِرُ الأَخَادِيدَ, وَيُوقِدُ فِيهَا النِّيرَانَ وَيحرِقُ البَاطِنِيَّةَ فِيهَا فُرَادَى وَجَمَاعَاتٍ, حَتَّى أَنَّهُ أَوعَزَ لِعُمَّالِهِ وَأُمَرَائِهِ في الأَقَالِيمِ التَّابِعَةِ لهُ بِتَتَبُّعِ البَاطِنِيَّةِ وَالفَتكِ بِهِم؛ فَفَتَكَ بهم الأَمِيرُ "جَاولي" مَا يُقَارِبُ الثَّلاثِمَائَةَ وَذَلكَ بِحِيلَةٍ دَبَّرَهَا مَعَ أَصحَابِهِ مِن دَاخِلِ صُفُوفِ البَاطِنِيَّةِ؛ حَتَّى استَطَاعَ أَن يَظفَرَ بهِم وَيَقتُلَهُم.
ثُمَّ إِنَّهُ أَرسَلَ إِلى الخَلِيفَةِ العَبَّاسِيِّ في بَغدَادَ يُشِيرُ عَليهِ بِأَن يَتَتَبَّعَ البَاطِنِيَّةَ في بِلادِهِ, فَأَمَرَ بِالقَبضِ عَلَى كُلِّ مَن يَظُنُّ فِيهِم ذَلِكَ.
وفي ذَلِكَ يَقُولُ ابنُ الجَوزِيِّ في [المُنتَظَمِ]: "وَلَم يَتَجَاسر أَحَدٌ أَن يَشفَعَ في أَحَدٍ لِئَلا يُظَنَّ مَيلُهُ إِلى ذَلِكَ المَذهَبِ" [2].
وَتَعَاوَنَ مَعَ أَخِيهِ السُّلطَانُ "سَنجَر" في مُحَارَبَةِ البَاطِنِيَّةِ وَالقَضَاءِ عَليهِم.
وَفي عَامِ 521 هـ, أَغَارَ السُّلطَانُ "سَنجَر" عَلَى البَاطِنِيَّةِ في قَلعَةِ "آَلمُوت"؛ فَقَتَلَ مِنهُم مَا يُقَارِبُ الإِثنَيْ عَشَرَ أَلفَاً.

[1] - وجاء دور المجوس - (1/ 34)
[2] - موسوعة الرد على الصوفية - (105/ 124) والمنتظم - (5/ 42)
اسم الکتاب : من مخازي الرافضة عبر التاريخ المؤلف : -    الجزء : 1  صفحة : 85
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست