الأصل، كما أشار المحقق، ولم يبق منه إلا آخر فقرة، وهي: «وأما ما كان من نوع الآحاد مما صحت الحجة به من طريق وثاقة النقلة، وعدالة الرواة، واتصال نقلهم، فإن ذلك وإن لم يوجب العلم والقطع فإنه يقتضي غالب ظن وتجويز حكم حتى يصحَّ أن حكم أنه من باب الجائز الممكن دون المستحيل الممتنع ...» [1].
وهذه الفقرة كافيةٌ في بيان فكرة الرجل، وهي أن الأحاديث الصحيحة لا تفيد اليقين، وأن غاية إفادتها في ميزان النظر العقلي هي الإمكان والتجويز، ومن أجل سدّ هذا الباب اشتغل بتأويلها.
انظر إلى قوله بعد هذا مباشرة: «وإذا كانت ثمرة ما جرى هذا المجرى من الأخبار ما ذكرناه، فقد حصلت فائدةٌ عظيمةٌ لا يمكن التوصل إليها إلا به، وهذا يقتضي أن يكون الاشتغال بتأويله وإيضاح وجهه مرتبًا على ما يصحّ ويجوز في أوصافه جل ذكره، محمولًا على الوجه الذي نبينه ونرتبه من غير اقتضاء تشبيه، أو إضافة ما لا يليق بالله - جل ذِكره - إليه» [2].
وإيضاح هذا: أن معرفة الله عند الأشاعرة هي معرفة ما يجب له، وما يستحيل عليه، وما يجوز عليه، كل ذلك بطريق العقل [3]. [1] المصدر السابق (ص5). [2] المصدر السابق. [3] وهو من الأصول العقلية التي اتفقت عليها كتبهم قاطبة، وقد ترتبت على هذه القسمة الثلاثية أصول فاسدة؛ منها: نفي الحكمة عن أفعاله تعالى، واعتبارها جميعًا من قسم الجائز فقط.