اسم الکتاب : شرح الطحاوية = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل المؤلف : آل الشيخ، صالح الجزء : 1 صفحة : 599
[المسألة الرابعة] :
الله سبحانه وتعالى قال {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] ، وقال «من يدعوني فأستجيبَ له، من يسألني فأعطيَه، من يستغفرني فأغفرَ له» ، وإجابة الدعاء عام يشمل إجابة دعاء العبادة وإجابة دعاء المسألة.
- أما إجابة دعاء العبادة: فهو بالإثابة.
- وأما إجابة دعاء المسألة: فهو بالإعطاء.
ولهذا في آية سورة غافر قال ? {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60] ، ورجَّحَ طائفة من أهل العلم أنها في الدعاء الذي هو العبادة، {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} ، يعني أعبدوني أُثِبْكُم، {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} .
والنوع الثاني الذي هو دعاء المسألة فيكون إستجابة دعاء المسألة بإعطاء العبد ما سأل.
وإجابة الدعاء يَعُمُّ إعطاء العبد ما سَأَلْ أو ما هو في مقام إعطائه ما سأل من صَرْفِ السُّوءِ عَنْهْ.
ولهذا قال العلماء: إنَّ العبد إذا دعا الله ? ولم يُعطَ ما سأَل فإنّ لهذا عدة تعليلات:
1- التعليل الأول: أنه يُصْرَفْ عنه من الشر بمثل ما سأل، فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من عبد مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاثة خصال: إما أن تُعَجَّلَ له دعوته، وإما أن يُصرَفَ عنه من الشر مثلُها، وإما أن تُدخَرَ له يوم القيامة» [1] . وهذا يعني أنَّ دعاء العبد المؤمن لا يضيع بل يُسْتَجَابْ لكن:
- ربما أُستْجُيِبَ بثوابٍ يوم القيامة.
- وربما أُستْجُيِبَ بعطاء.
- وربما أُستْجُيِبَ بصرف الشرعنه.
والله ? أعلم بما يُصْلِحُ العبد في دنياه وفي آخرته.
قد تكون حاجة العبد المؤمن للحسنات في الآخرة أعظم من حاجته لما سَأَلْ في الدنيا، فَيُدَّخَرْ له ما سأل يوم القيامة، وهذا من أعظم لُطْف الله ? ورحمته بعبده وعنايته بعبده ? وتَقَدَّست أسماؤه، سبحان ربنا لا نُحصي ثناءً عليه.
2- التعليل الثاني: أنَّهُ كما ذكرنا أنَّ الدعاء يكون له شروط وله موانع، فقد يكون العبد في دعائه أتى بمانع من الموانع من إجابة الدعاء كما قال صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد مسلمٍ يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم» ، قطيعة الرحم معروفة، والإثم قد يكون منه الإعتداء في الدعاء؛ لأنَّ الله ? نَهَى عن الإعتداء في الدعاء فقال سبحانه: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف:55] ، يعني المعتدين في الدعاء وأيضاً المعتدين في غيره، فالإعتداء لا يُحبه الله ?. (2)
فالإعتداء في الدعاء إثم وله صور كثيرة:
فقد يدعو العبد ويعتدي في الدعاء فيزيد في أدعيته.
أو يأتي بأشياء ليست من الأدب مع الرب ?، فيكونُ مانعاً من إجابة الدعاء لإثْمٍ وقع فيه في الدعاء، أو لإثمٍ وقع فيه في سلوكه فإنه صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنّ الرجل ليُحرَمُ الرزق بالذنب يصيبُه» [3] ، وهذا يكون مانعا.
أيضاً هناك شروط للدعاء من الآداب فيه، فلا بدّ من توفرها.
3- التعليل الثالث: أنَّ حديث النبي صلى الله عليه وسلم في نزول الرب ? آخر الليل أو في النصف الأخير من الليل أو في الثلث الأخير من الليل على إختلاف الروايات، رَتَّبَ مسألة الدعاء على ثلاث درجات، فقال صلى الله عليه وسلم «إنَّ الله يُنادي هل من داعٍ فأستجيبَ له، هل من سائِلٍ فأُعْطِيَهُ، هل من مستغفر فأغفر له» .
ومغفرة الذنب أخص من إعطاء السؤال، وإعطاء السؤال أخص من إجابة الدعاء.
فلهذا رتّبها صلى الله عليه وسلم على هذه الثلاث درجات -يعني في الحديث-، فالله ? جعلها ثلاث مراتب:
- ينادي من يدعو، والدعاء يَعُمُّ السؤال ويعمّ غيره كما أوضحت لك.
- أو مَنْ يسأل.
- ثُمَّ مَنْ يستغفر، فهذه مراتب ثلاث.
فإذاً ليس كل سؤال إستغفار، وليس كل دعاء سؤال.
وهذا يعني أنَّ إجابة الدعاء التي وَعَدَ الله ? بها عباده: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186] ، هذا يَعُمُّ كل مايحتاجه العبد في عبادته وفي دنياه، وأيضاً ما يحتاجه ثواباً على العبادة وإعطاءً للسّؤال. [1] مسند أبي يعلى (1019) / حلية الأولياء (6/311)
(2) للمزيد عن الإعتداء في الدعاء انظر (599) [3] ابن ماجه (4022)
اسم الکتاب : شرح الطحاوية = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل المؤلف : آل الشيخ، صالح الجزء : 1 صفحة : 599