الله: أي ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين.
فمن تدبر هذه الآيات ونظائرها علم أن هؤلاء القبوريين المفتونين بالأموات قد خالفوا ما أمرهم الله -تعالى- به من إفراده بالألوهية والعبودية الخاصة له، فتألهت قلوبهم غيره، وتعلقت أفئدتهم بمن لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا.
قال الله -تعالى-: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} [1] الآية، وتقدمت، وقال -تعالى-: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [2].
فتأمل هذه الآية وما فيها من البيان والبرهان على ضلال من وجه وجهه وقلبه لغير الله بأي نوع كان من أنواع العبادة، وهذا لا يخفى إلا على من عميت بصيرته، وضل سعيه، وفسد فهمه، {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [3].
[الأرواح لا يعلم مقرها إلا خالقها]
الوجه الخامس: أن المجيب ومن يقول بقوله إنما وجهوا وجوههم وقلوبهم إلى أرواح الأموات، وقد فارقت تلك الأرواح أجسادها، لا يعلم أين صارت ولا إلى ما صارت إلا الله، إلا ما ورد أن أرواح الشهداء والسعداء تسرح في الجنة. وقد جعل الله موتهم دليلا وبرهانا على بطلان عبادتهم، قال الله -تعالى-: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} [4]. ولا ريب أن من له بصيرة يعلم أن الميت لا شعور له بحاله، فكيف بغيره؟ وقد تقدم دليله.
فبطل بهذه الآيات المحكمات وما في معناها كل ما تعلق به المشركون من طلب وأمل ورجاء ورغبة صرفوه لغير الله، وبين تعالى أن ذلك يعود عليهم وبالا في الدار الآخرة. نعوذ بالله من ضلال السعي والخيبة والخسران. [1] سورة فاطر آية: 13. [2] سورة الأحقاف آية: 5، 6. [3] سورة النور آية: 40. [4] سورة النحل آية: 20: 22.