عيدا" 1
مسبوق وملحوق بما يبين معناه كقوله:"وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم" [2]، وكقوله في الحديث الذي رواه الحسن بن الحسن:"لعن الله اليهود، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" [3]، وغير ذلك مما هو ظاهر يبين مراده صلى الله عليه وسلم أنه خشي على أمته تعظيم القبور والغلو فيها.
كما في الموطأ عن عطاء بن أبي رباح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد. اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" [4]، وهذا الحديث صريح في بيان مراد النبي صلى الله عليه وسلم بالجملة الأولى من الحديث والجملة الثانية، فقد حمى صلى الله عليه وسلم حِمى التوحيد.
ومثل هذه الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم:"لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله" [5].
[أعظم أسباب الشرك تعظيم القبور]
فقد عرفت مما تقدم أن من أعظم أسباب الشرك تعظيم القبور والعكوف عندها، ولا ريب أن ذلك يفضي إلى الالتجاء إليها، والتعلق بها، والرغبة إليها؛ ونحو ذلك من المحبة، وخطابها بالحوائج، وغير ذلك مما لا يمكن عده كالخشوع، والبكاء والنحيب رغبة ورهبة إليها. وهذا هو العبادة التي قصرها الله -تعالى- عليه دون كل من سواه.
قال الله -تعالى-: {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [6]، وقوله: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ} [7]، وقال -تعالى-: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [8] الآيات.
فتدبر هذه الآيات، وما فيها من البيان، والحجة القاطعة على أن كل من وجه وجهه وقلبه إلى غير الله فهو مشرك شركا ينافي الإخلاص. وتأمل ما فيها من اختصاص الرب تعالى بجميع أنواع العبادة كالالتجاء، والتعلق، والرغبة والرهبة، وغير ذلك من أنواع العبادة. والله المستعان.
1 أبو داود: المناسك 2042 , وأحمد 2/367. [2] أبو داود: المناسك 2042 , وأحمد 2/367 ,2/388. [3] مسلم: المساجد ومواضع الصلاة 530 , والنسائي: الجنائز 2047 , وأحمد 2/366. [4] مالك: النداء للصلاة 416. [5] البخاري: أحاديث الأنبياء 3445 , وأحمد 1/23 ,1/24 ,1/47. [6] سورة الأنبياء آية: 108. [7] سورة البقرة آية:138، 139. [8] سورة الحج آية: 71.