مسائل وفتاوى
للشيخ: عبد الرحمن بن الحسن بن محمد بن عبد الوهاب
بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة
سئل الشيخ عبد الرحمن بن حسن -متع الله المسلمين بحياته، وبارك لهم في ساعاته- عن قول الخطيب:
"الحمد لله الذي تحيرت العقول في مبدأ أنواره، وتاهت الألباب في صمد يته وكنه ذاته".
فهذه الألفاظ ابتدعها من تمسك بقول أهل الكلام الحادث المذموم، فإنهم الذين تاهوا وتحيروا في الإيمان الذي دعت إليه الرسل، ونزلت به الكتب، وإلا فطريقة القرآن حمد الله لنفسه بأسمائه وصفاته وما يعرف به، ويوجب الإيمان به، ومعرفته، وإثبات ربوبيته، وصفات كماله. فهذا هو توحيد المعرفة والإثبات الذي هو توحيد المرسلين، ودعوا به الأمم إلى توحيد الإرادة والقصد، الذي هو توحيد الإلهية.
فإن الرب الذي أبدع لخلقه ما يشاهدونه من عظيم مخلوقاته، وتعرف إليهم بذلك، وبما دلهم عليه من كمال صفاته، وتصرفه في مخلوقاته، وهو الرب الذي لا يستحق العبادة غيره، واستدل بأدلة ربوبيته على ما يستلزمه منه إلهيته فقال: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [1]، فأنكر الشرك في حق من هذا وصفه، وإنكار الشرك يقتضي توحيد العبادة بأن لا يراد غيره، ولا يقصد سواه، فانتظم ذلك نوعي التوحيد.
وقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا قَيِّماً} [2]، فحمد نفسه على إنزال الكتاب الذي هو أعظم نعمة أنعمها على أهل الأرض، وهو يقتضي الإيمان بالكتب والرسل، وهو صراط الله المستقيم الذي لا تزيغ به الأهواء، فهذا وأمثاله هو طريقة القرآن: يحمد نفسه على ما يتعرف به إلى خلقه ليعرفوه بذلك الذي أبدعه وأوجده وأنعم به كقوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [3] الآية. وأمثال هذا في القرآن كثير وتدبره والعلم به
وأمثال هذا في القرآن كثير، وتدبره والعلم به [1] سورة الأنعام آية: 1. [2] سورة الكهف آية: 1. [3] سورة فاطر آية: 1.