اسم الکتاب : موقع الإسلام سؤال وجواب المؤلف : المنجد، محمد صالح الجزء : 1 صفحة : 62
حوار مع نصراني حول عقيدة الفداء عند النصارى
ƒـ[لماذا يصر المسلون على إنكار أن المسيح قد جاء مخلصا لفدائنا؟.]ـ
^الحمد لله
تعد عقيدة الفداء عند النصارى وأصلها الذي بنيت عليه، وهو قولهم بصلب المسيح عليه السلام، من العقائد الأساسية عند النصارى؛ حتى إنهم ليراهنون بالديانة كلها إذا لم تصح هذه العقيدة. يقول الكاردينال الإنجليزي منينغ في كتابه: " كهنوت الأبدية ": (لا تخفى أهمية هذا البحث الموجب للحيرة، فإنه إذا لم تكن وفاة المسيح صلباً حقيقية، فحينئذ يكون بناء عقيدة الكنيسة قد هدم من الأساس، لأنه إذا لم يمت المسيح على الصليب، لا توجد الذبيحة، ولا النجاة، ولا التثليث. . فبولس والحواريون وجميع الكنائس كلهم يدعون هذا، أي أنه إذا لم يمت المسيح لا تكون قيامة أيضاً) .
وهذا ما يقرره بولس: {وإن لم يكن المسيح قد قام، فباطل كرازتنا، وباطل أيضاً إيمانكم} [كورنثوس 1/14-15] .
وعلى نحو ما تخبطوا في قولهم بالتثليث، وما مفهومه، وكيف يوفقون بينه وبين التوحيد الذي يقرره العهد القديم، [راجع السؤال رقم 12628] ، وعلى نحو تخبطهم أيضا في كل ما يتعلق بالصلب من تفصيلات، وهو أصل قولهم بالفداء الذي يعتبرونه علة لهذا الصلب، [راجع أيضا سؤال رقم 12615] ، نقول: على نحو هذا الخبط الملازم لكل من حاد عن نور الوحي المنزل من عند الله، كان تخبطهم في عقيدة الفداء.
فهل الفداء خلاص لجميع البشر، كما يقول يوحنا: {يسوع المسيح البار، شفيع عند الآب، فهو كفارة لخطايانا، لا لخطايانا وحدها، بل لخطايا كل العالم أيضاً} [رسالة يوحنا الأولى 2/2] ، أو هو خاص بمن آمن واعتمد: {من آمن واعتمد خلص، ومن لم يؤمن يدن} [مرقس 16/16] .
إن المتأمل في سيرة المسيح وأقواله يرى بوضوح أن دعوة المسيح كانت لبني إسرائيل، وأنه خلال سني دعوته نهى تلاميذه عن دعوة غيرهم، وعليه فالخلاص أيضاً يجب أن يكون خاصاً بهم، وهو ما نلمسه في قصة المرأة الكنعانية التي قالت له: {ارحمني يا سيد يا ابن داود. ابنتي مجنونة جداً، فلم يجبها بكلمة واحدة، فتقدم إليه تلاميذه، وطلبوا إليه قائلين: اصرفها لأنها تصيح وراءنا، فأجاب وقال: لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة، فأتت وسجدت له قائلة: يا سيد أعني، فأجاب وقال: ليس حسناً أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب { (متى 15/22 - 26) ، فالمسيح لم يقم بشفاء ابنة المرأة الكنعانية، وهو قادر عليه، فكيف يقوم بالفداء عن البشرية جمعاء؟
وهل هذا الخلاص من خطيئة آدم الأولى فقط، أو هو عام لجميع خطايانا؟
إن أحدا لا يحمل إثم أحد، ولا يفديه بنفسه، كما قال الله تعالى في كتابه الكريم: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) فاطر/18.
وهذا هو ما تقرره نصوص كتابكم المقدس: {النفس التي تخطيء هي تموت، الابن لا يحمل من إثم الأب، والأب لا يحمل من إثم الابن، بر البار عليه يكون، وشر الشرير عليه يكون} [حزقيال 18/20 - 21] .
فليس هناك خطيئة موروثة: {لولا أني جئت وكلمتهم، لما كانت عليهم خطيئة، وأما الآن فلا عذر لهم في خطيئتهم. . لولا أني عملت بينهم أعمالاً ما عمل أحد مثلها، لما كانت لهم خطيئة، لكنهم الآن رأوا، ومع ذلك أبغضوني وأبغضوا أبي} [يوحنا 15/22 - 24] .
وحين تكون هناك خطيئة، سواء كانت مما اكتسبه العبد، أو ورثه عن آدم، أو من دونه من الآباء (؟!!) ، فلم لا يكون محو هذه الخطيئة بالتوبة؟!
إن فرح أهل السماء بالتائب كفرح الراعي بخروفه الضائع إذا وجده، والمرأة بدرهمها الضائع إذا عثرت عليه، والأب بابنه الشارد إذا رجع:
{هكذا يكون الفرح في السماء بخاطئ واحد يتوب، أكثر من الفرح بتسعة وتسعين من الأبرار لا يحتاجون إلى التوبة} [لوقا 15/1-31} .
ولقد وعد الله التائبين بالقبول: {فإذا رجع الشرير عن جميع خطاياه التي فعلها، وحفظ كل فرائضي وفعل حقاً وعدلاً، فحياة يحيا، لا يموت، كل معاصيه التي فعلها لا تذكر عليه، بره الذي عمل يحيا} [حزقيال 18/21-23] ، وانظر [إشعيا 55/7]
إن الاتكال على النسب من غير توبة وعمل صالح، ضرب من الخبال؛ فمن أبطأ به عمله، لم يسرع به نسبه، كما يقول نبينا صلى الله عليه وعلى إخوانه المرسلين وسلم [صحيح مسلم 2699] ، وهكذا علمكم يوحنا المعمدان (يحي عليه السلام) : {يا أولاد الأفاعي من علمكم أن تهربوا من الغضب الآتي، أثمروا ثمراً يبرهن على توبتكم، ولا تقولوا لأنفسكم: نحن أبناء إبراهيم، أقول لكم: إن الله قادر على أن يجعل من هذه الحجارة أبناء لإبراهيم؛ ها هي الفأس على أصول الشجر: فكل شجرة لا تعطي ثمرا جيدا تقطع، وترمى في النار} [متى 3/7 - 11] .
إن غفران الذنب بتوبة صاحبه هو اللائق بالله البر الرحيم، لا الذبح والصليب، وإراقة الدماء، ها ما يقرره الكتاب المقدس:
{إني أريد رحمة لا ذبيحة، لأني لم آت لأدعو أبراراً، بل خطاة إلى التوبة} [متى 9/13]
ولهذا يقول بولس: {طوبى للذين غفرت آثامهم وسترت خطاياهم، طوبى للرجل الذي لا يحسب له الرب خطية} [رومية 4/7-8] .
هذا مع إيماننا بأن الله تعالى لو أمر بعض عباده بقتل أنفسهم توبة من خطاياهم، لم يكن كثيرا عليهم، ولم يكن منافيا لبره سبحانه ورحمته، وقد أمر بذلك بني إسرائيل لما طلبوا أن يروا الله جهرة، لكن حينئذ لا يقتل أحد عن أحد، بل يقتل المرء عن إثم نفسه، لا عن آثام غيره، وقد كان ذلك من الإصر والأغلال التي وضعها الله عن هذه الأمة المرحومة.
ومما يبطل نظرية وراثة الذنب أيضاً النصوص التي تحمل كل إنسان مسئولية عمله؛ كما قال الله تعالى في كتابه الكريم: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ) فصلت /46 وقال: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) المدثر/38.
وهكذا في كتابكم المقدس:
{لا تَدينوا لئلا تُدانوا، فكما تدينون تُدانون، وكما تكيلون يُكال لكم} [متى 7/1-2]
{فإن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته، وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله} [متى 16/27]
وأكد المسيح على أهمية العمل الصالح والبر، فقال للتلاميذ: {ليس كل من يقول: لي يا رب يا رب، يدخل ملكوت السموات. بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السموات، كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم: يا رب يا رب، أليس باسمك تنبأنا وباسمك أخرجنا شياطين، وباسمك صنعنا قوات كثيرة، فحينئذ أصرّح لهم: إني لم أعرفكم قط. اذهبوا عني يا فاعلي الإثم} [متى 7/20-21] .
ومثله قوله: {يرسل ابن الإنسان ملائكته فيجمعون في ملكوته جميع المعاثر، وفاعلي الإثم، ويطرحونهم في أتون النار} [متى 13/41-42] .
فلم يحدثهم عن الفداء الذي سيخلصون به من الدينونة.
والذين يعملون الصالحات هم فقط الذين ينجون يوم القيامة من الدينونة، بينما يحمل الذين عملوا السيئات إلى الجحيم، من غير أن يكون لهم خلاص بالمسيح أو غيره:
{تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته، فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة، والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة} [يوحنا 5/28-29] .
{متى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة والقديسين معه، فحينئذ يجلس على كرسي مجده. . . ثم يقول أيضاً للذين عن اليسار: اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته} [متى 25/31 - 42] .
ويقول المسيح لهم: {أيها الحيات أولاد الأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم} (متى 23/33) .
ويلاحظ أدولف هرنك أن رسائل التلاميذ خلت من معتقد الخلاص بالفداء، بل إنها جعلت الخلاص بالأعمال كما جاء في رسالة يعقوب {ما المنفعة يا إخوتي إن قال أحد: إنّ له إيماناً، ولكن ليس له أعمال، هل يقدر الإيمان أن يخلصه؟ الإيمان أيضاً إن لم يكن له أعمال ميت في ذاته. . الإيمان بدون أعمال ميت} [يعقوب 2/14 – 20 وانظر:1/22 , 1/27] .
ويقول بطرس: {أرى أن الله لا يفضل أحدا على أحد في الحقيقة، فمن خافه من أية أمة كانت، وعمل الخير، كان مقبولا عنده} [أعمال الرسل 10/34-35] . ومثل هذا كثير في أقوال المسيح والحواريين.
وصدق الله العظيم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات/13.
والعجب أن بولس نفسه الذي أعلن نقض الناموس وعدم فائدة الأعمال، وأن الخلاص إنما يكون بالإيمان، هو ذاته أكد على أهمية العمل الصالح في مناسبات أخرى منها قوله: {إن الذي يزرعه الإنسان، إياه يحصد أيضاً. . . فلا تفشل في عمل الخير لأننا سنحصده في وقته { (غلاطية 6/7) .
ويقول: {كل واحد سيأخذ أجرته حسب تعبه} (كورنثوس (1) 3/8) .
[انظر حول هذه القضية بتوسع: د. منذر السقار: هل افتدانا المسيح على الصليب]
وهكذا، فليس أمامك حيال هذا التناقض إلا أن تلغي فهمك وعقلك، وتعلل نفسك بالأماني الكاذبة، على نحو ما فعلت في عقيدة التثليث والتوحيد، وهو ما ينصحك به "ج. ر. ستوت" في كتابه "المسيحية الأصلية": (لا أجسر أن أتناول الموضوع، قبل أن أعترف بصراحة بأن الكثير منه سوف يبقى سرا خفيا. . .، ويا للعجب كيف أن عقولنا الضعيفة لا تدركه تماما، ولا بد أن يأتي اليوم الذي فيه ينقشع الحجاب، وتُحل كل الألغاز، وترى المسيح كما هو!!
. . فكيف يمكن أن يكون الله حل في المسيح، بينما يجعل المسيح خطية لأجلنا، هذا ما لا أستطيع أن أجيب عنه، ولكن الرسول عينه يضع هاتين الحقيقتين جنبا إلى جنب، وأنا أقبل الفكرة تماما، كما قبلت أن يسوع الناصري هو إنسان وإله في شخص واحد. . . وإن كنا لا نستطيع أن نحل هذا التناقض، أو نفك رموز هذا السر، فينبغي أن نقبل الحق كما أعلنه المسيح وتلاميذه، بأنه احتمل خطايانا)
[المسيحية الأصلية ص 110، 121، نقلا عن د. سعود الخلف: اليهودية والنصرانية ص 238] .
ونعم، سوف نرى نحن وأنتم المسيح كما هو؛ عبدا من عباد الله المقربين، وأنبيائه المرسلين، وفي هذا اليوم الذي ينقشع فيه الحجاب يتبرأ ممن اتخذه إلها من دون الله، أو نسب إليه ما لم يقله، لتعلم ساعتها أنه لم يكن هناك لغز ولا أسرار:
(وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120)) سورة المائدة.
فهل من وقفة قبل فوات الأوان، وعودة إلى كلمة سواء، لا لغز فيها ولا حجاب:
(قُلْ يا أهل الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) آل عمران /64.
والله اعلم.
‰الإسلام سؤال وجواب
اسم الکتاب : موقع الإسلام سؤال وجواب المؤلف : المنجد، محمد صالح الجزء : 1 صفحة : 62