responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : موقع الإسلام سؤال وجواب المؤلف : المنجد، محمد صالح    الجزء : 1  صفحة : 39
حكم من تكررت منه الردة
ƒـ[تنص سورة النساء على أن الله لن يقبل إسلام من يكفر أكثر من 3 مرات، ولن يهديه، فهل يشمل ذلك ترك الصلاة على سبيل المثال 3 مرات؟]ـ
^الحمد للَّه
القاعدة العظيمة التي يقررها الله سبحانه وتعالى في وحيه، ويذكر أنها قاعدة الحساب ومبدأ الثواب والعقاب، أن التوبة تَجُبُّ ما قبلها، وأن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن باب التوبة مفتوح لكل عبد، ولو وقع في الذنب والكفر مرّاتٍ ومرّاتٍ، فإنَّ كرمه سبحانه وتعالى ورحمته بعباده اقتضت أن تقبل توبة التائب ويغفر له ذنبه.
يقول الله عز وجل: (قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ) الأنفال/38
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ) رواه مسلم (121)
كما جاءت الآيات تدل على قبول توبة المرتد إذا عاد إلى الإسلام وصدقت توبته:
يقول سبحانه وتعالى: (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ)
وبعد ذلك كله قال سبحانه: (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ) آل عمران/86-89
أما من ارتد ثم ازداد كفرا وطغيانا، ولم يتب، ولم يرجع إلى الإسلام، فهذا هو الذي جاءت الآية في سورة النساء – التي قصدها السائل الكريم – وجاءت آية آل عمران أيضا بعدم قبول توبته.
يقول سبحانه وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ) آل عمران/90-91
وقال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) النساء/137
يقول ابن كثير رحمه الله في "تفسير القرآن العظيم" (1/753) :
" يخبر تعالى عمن دخل في الإيمان ثم رجع عنه، ثم عاد فيه، ثم رجع واستمر على ضلاله، وازداد حتى مات، فإنه لا توبة بعد موته، ولا يغفر الله له، ولا يجعل له مما هو فيه فرجا ولا مخرجا ولا طريقا إلى الهدى، ولهذا قال: (لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا) قال ابن أبي حاتم.. عن ابن عباس في قوله تعالى: (ثم ازدادوا كفرا) قال: تمادوا على كفرهم حتى ماتوا. وكذا قال مجاهد " انتهى.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (16/28-29) :
" وهؤلاء الذين لا تقبل توبتهم قد ذكروا فيهم أقوالا:
قيل لنفاقهم، وقيل: لأنهم تابوا مما دون الشرك ولم يتوبوا منه، وقيل لن تقبل توبتهم بعد الموت، وقال الأكثرون كالحسن وقتادة وعطاء الخراساني والسدى: لن تقبل توبتهم حين يحضرهم الموت، فيكون هذا كقوله (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) النساء/18
وكذلك قوله (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) النساء/137
قال مجاهد وغيره من المفسرين: (ازدادوا كفرا) ثبتوا عليه حتى ماتوا.
قلت (هو ابن تيمية) : وذلك لأن التائب راجع عن الكفر، ومن لم يتب فإنه مستمر، يزداد كفرا بعد كفر، فقوله: (ثم ازدادوا) بمنزلة قول القائل: ثم أصروا على الكفر، واستمروا على الكفر، وداموا على الكفر، فهم كفروا بعد إسلامهم، ثم زاد كفرهم وما نقص، فهؤلاء لا تقبل توبتهم، وهي التوبة عند حضور الموت؛ لأن من تاب قبل حضور الموت فقد تاب من قريب، ورجع عن كفره، فلم يزدد، بل نقص، بخلاف المصر إلى حين المعاينة " انتهى.
ولم يختلف أهل العلم في أن المرتد إذا صدقت توبته ورجع إلى الإسلام، فإن الله سبحانه وتعالى يقبله عنده ويغفر له ما قد مضى وسلف، وإن تكررت ردته.
هذا بالنسبة لما عند الله تعالى في الآخرة.
وأما بالنسبة لأحكام الظاهر في الدنيا فقد قال بعض أهل العلم بأن من تكررت ردته فإننا نقتله ولا نقبل توبته، فالخلاف بين أهل العلم هو في قبول التوبة من حيث أحكام الظاهر، وليس النسبة لما عند الله سبحانه وتعالى.
يقول ابن قدامة في "المغني" (12/271ط هجر) :
" وفي الجملة، فالخلاف بين الأئمة في قبول توبتهم في الظاهر من أحكام الدنيا وترك قتلهم وثبوت أحكام الإسلام في حقهم.
وأما قبول الله تعالى لها في الباطن، وغفرانه لمن تاب وأقلع باطنا وظاهرا، فلا خلاف فيه " انتهى.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (16/30) :
" والفقهاء إذا تنازعوا فى قبول توبة من تكررت ردته أو قبول توبة الزنديق، فذاك إنما هو فى الحكم الظاهر؛ لأنه لا يوثق بتوبته، أما إذا قدر أنه أخلص التوبة لله فى الباطن، فإنه يدخل فى قوله: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53 " انتهى.
على أن الصحيح من قولي أهل العلم أن توبة من تكررت ردته مقبولة في أحكام الظاهر أيضا، وتجري عليه أحكام الإسلام، وهو قول جماهير أهل العلم: الحنفية والشافعية والمشهور عند المالكية، وآخر قولي أحمد بن حنبل.
انظر حاشية تبيين الحقائق (3/284) ، فتح القدير (6/68) ، الإنصاف (10/332-335)
تحفة المحتاج (9/96) ، كشاف القناع (6/177-178) ، "الموسوعة الفقهية" (14/127-128)
وعزا في المبسوط (10/99-100) لعلي وابن عمر عدم قبول توبة من تكررت ردته.
وعليه فإن توبة تارك الصلاة مقبولة إذا صدق، ولو تكرر منه الترك مرات كثيرة، ولكن على العبد أن يحذر، فقد تأتيه المنية قبل أن يوفق للتوبة، وقد يعجل الله تعالى عقوبته في الدنيا قبل الآخرة.
نسأل الله تعالى أن يرحمنا وإياكم برحمته الواسعة.
والله تعالى أعلم.
‰الإسلام سؤال وجواب

اسم الکتاب : موقع الإسلام سؤال وجواب المؤلف : المنجد، محمد صالح    الجزء : 1  صفحة : 39
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست