اسم الکتاب : موقع الإسلام سؤال وجواب المؤلف : المنجد، محمد صالح الجزء : 1 صفحة : 280
القصاص يوم القيامة
ƒـ[هل يقتص الكافر المظلوم يوم القيامة من المسلم الظالم له؟ وهل يقتص الكفار بعضهم من بعض؟ وهل تقتص البهيمة من الإنسان؟]ـ
^الحمد لله
العدل هو ميزان الحكم يوم القيامة، وقد حرَّم الله الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرما، وهو يعلم سبحانه أن قيام المظالم كائنٌ ولا شك في الدنيا، بين الخلق كلهم: مؤمنهم وكافرهم، إنسهم وجنهم، عاقلهم وجاهلهم، ولذلك رصد لهم يوما يُقيم فيه الحقوق بموازين الحق والقسط، فينتصف فيه للمظلوم، ويعاقب الظالم.
يقول الله عز وجل: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) الأنبياء/47
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَقْتَصُّ الْخَلْقُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، حَتَّى الْجَمَّاءُ مِنْ الْقَرْنَاءِ، وَحَتَّى الذَّرَّةُ مِنْ الذَّرَّةِ) رواه أحمد (2/363) وصححه محققو المسند، والألباني في "السلسلة الصحيحة" (1967)
فهو قصاص شامل وعام بين جميع الخلائق:
1- يقتص المؤمن المظلوم ممن ظلمه من الخلائق، مؤمنهم وكافرهم، إنسهم وجنهم.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا أُذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ) رواه البخاري (2440)
2- ويقتص الكافر المظلوم أيضا ممن ظلمه من الخلائق: فيقتص من الكافر الظالم، ويقتص من المسلم الظالم المعتدي، لعموم حديث أبي هريرة السابق: (يقتص الخلق بعضهم من بعض) .
غير أن المسلم لا يعد ظالما للكافر إذا كان الكافر محاربا معتديا، أما إذا كان ذميا أو معاهدا أو مؤتمنا، فلا يجوز للمسلم أن يظلمه ولا أن يعتدي عليه، بل جاء التشديد في أمره في كثير من الآيات والأحاديث، يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) المائدة/8
يقول البيضاوي في "تفسيره" (303) :
" لا يحمِلَنَّكم شدة بُغضكم للمشركين على ترك العدل فيهم، فتعتدوا عليهم بارتكاب ما لا يحل، كمُثلةٍ وقذفٍ وقتلِ نساءٍ وصِبيةٍ ونقضِ عهدٍ، تشفياً مما في قلوبكم " انتهى.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه أبو داود (3052) وحسنه ابن حجر في "موافقة الخبر" (2/184) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا) رواه البخاري (3166)
وعَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ السُّلَمِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُحِلَّ لَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتَ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا بِإِذْنٍ، وَلَا ضَرْبَ نِسَائِهِمْ، وَلَا أَكْلَ ثِمَارِهِمْ إِذَا أَعْطَوْكُمْ الَّذِي عَلَيْهِمْ) رواه أبو داود (3050) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (882)
فهذه النصوص تدل على حرمة الاعتداء على الكافر، وأن ذلك من الظلم الذي حرمه الله تعالى، وللمظلوم حق عنده سبحانه.
ولذلك كان الصحابة والفقهاء يدركون أن حق الذمي محفوظ عند الله عز وجل، فلا يجترئ أحد عليه إلا أخذه الله به.
روى القاضي أبو يوسف في "الخراج" (ص/18) أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كتب إلى عُمَّالِه على الخراج:
" إذا قدمت عليهم فلا تبيعن لهم كسوة، شتاءً ولا صيفاً، ولا رزقاً يأكلونه، ولا دابة يعملون عليها، ولا تضربن أحداً منهم سوطاً واحداً في درهم، ولا تقمه على رجله في طلب درهم، ولا تبع لأحد منهم عَرَضاً في شيء من الخراج، فإنا إنما أَمَرَنا الله أن نأخذ منهم العفو، فإن أنت خالفت ما أمرتك به يأخذك الله به دوني، وإن بلغني عنك خلاف ذلك عزلتُك " انتهى.
3- وتقتص الدواب بعضُها من بعض: وهي وإن كانت غير مكلفة، إلا أن قصاصها قصاص مقابلة واستحقاق، كي يقام العدل الذي به تقوم السماوات والأرض.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ) رواه مسلم (2582) والجلحاء: التي لا قرن لها.
وروى أحمد في "المسند" (5/172) وحسنه المحققون، وكذا الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" تحت حديث رقم (1967) عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ جَالِسًا، وَشَاتَانِ تَقْتَرِنَانِ، فَنَطَحَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى فَأَجْهَضَتْهَا، قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقِيلَ لَهُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: عَجِبْتُ لَهَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُقَادَنَّ لَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. أي لَيُقْتَصَّنَّ لها)
يقول النووي في "شرح مسلم" (16/137) :
" وأما القصاص من القرناء للجلحاء فليس هو من قصاص التكليف، إذ لا تكليف عليها، بل هو قصاص مقابلة " انتهى.
وجاء في "مرقاة المفاتيح" للشيخ علي القاري (4/761) :
" قال ابن الملك: ... فإن قيل: الشاة غير مكلفة، فكيف يقتص منها؟ قلنا: إن الله تعالى فعال لما يريد، ولا يسأل عما يفعل، والغرض منه إعلام العباد أن الحقوق لا تضيع، بل يقتص حق المظلوم من الظالم ". قال القاري: " وهو وجه حسن، وتوجيه مستحسن،.. وجملة الأمر أن القضية دالة بطريق المبالغة على كمال العدالة بين كافة المكلفين، فإنه إذا كان هذا حال الحيوانات الخارجة عن التكليف، فكيف بذوي العقول من الوضيع والشريف، والقوي والضعيف؟ " انتهى.
بل إن الدواب تقتص من بني آدم يوم القيامة:
يقول ابن حجر الهيتمي في "الزواجر" (2/141) :
" فهذا من الدليل على القصاص بين البهائم، وبينها وبين بني آدم، حتى الإنسان لو ضرب دابة بغير حق أو جوَّعها، أو عطَّشها، أو كلفها فوق طاقتها فإنها تقتص منه يوم القيامة بنظير ما ظلمها أو جوَّعها، ويدل لذلك حديث الهرة، وفي الصحيح: (أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى الْمَرْأَةَ مُعَلَّقَةً فِي النَّارِ وَالْهِرَّةُ تَخْدِشُهَا فِي وَجْهِهَا وَصَدْرِهَا وَتُعَذِّبُهَا كَمَا عَذَّبَتْهَا فِي الدُّنْيَا بِالْحَبْسِ وَالْجُوعِ) انظر: صحيح البخاري (745) ومسند أحمد (2/159) .
وهذا عام في سائر الحيوانات ... " انتهى.
وجاء في كتاب "بريقة محمودية" (4/126) لأبي سعيد محمد بن محمد الخادمي:
" ويجتنب كل الجهد من حق الحيوان؛ لانسداد طرق التحليل والإرضاء في الآخرة والأولى، فإن الفقهاء قالوا: العذاب فيه متعين، وأمكن عفوه تعالى في نفسه، لكن حكم شريعته يقتضي عدم العفو، ولذا حكموا بتعيُّنِ العذاب، وفي قاضي خان: ومن هذا قالوا: إن خصومة الدابة أشد من خصومة الآدمي على الآدمي " انتهى.
وانظر جواب السؤال رقم (21679)
والله أعلم.
‰الإسلام سؤال وجواب
اسم الکتاب : موقع الإسلام سؤال وجواب المؤلف : المنجد، محمد صالح الجزء : 1 صفحة : 280