اسم الکتاب : موقع الإسلام سؤال وجواب المؤلف : المنجد، محمد صالح الجزء : 1 صفحة : 160
هل يمكن للبشر رؤية الملائكة والنبي صلى الله عليه وسلم يقظة عياناً؟
ƒـ[كنا قد قمنا بمسيرة احتجاجية كبيرة بالعاصمة لمساندة الشعب الفلسطيني والشعب العراقي ضد الاحتلال الإسرائيلي والأمريكي، بعد انتهاء المسيرة سمعت بعض الإخوان والأخوات يتحدثون أنهم رأوا سيدنا جبريل نازلاً من السماء وكذلك رأوا سيدنا محمد (ص) والكثير من الملائكة يرافقونهم، تأييداً لهذه المسيرة، فهل هذه المشاهدات قد تكون حقيقية ويجب علينا تصديقها وإلا سوف نعاقب بسوء الظن في إخواننا المسلمين؟ بالنسبة لي لم أستطع التصديق علما أن أهل بدر والصحابة الأجلاء العشرة المبشرين بالجنة لم يروا الملائكة الكرام بالعين المجردة ولا رأوا سيدنا جبريل! فهل نستطيع أن نقول إن هذا وهَم المشاهدة؟ أي: تخيل رؤية الشيء حتى يصبح حقيقة يصدقه العقل وتراه العين؟.]ـ
^الحمد لله
أولاً:
سبق في جواب السؤال رقم (11469) بيان حكم المظاهرات فلينظر.
ثانياً:
لا ينبغي اختصار الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم بحرف الصاد، ولا بكلمة " صلعم "! ومن كتب مثل هذا السؤال الطويل لا يعجزه كتابة الصلاة والسلام عليه كاملة.
وقد سبق بيان حكم كتابة هذين الاختصارين في جواب السؤال رقم (47976) فلينظر.
ثالثاً:
الملائكة خلقت من نور - كما رواه مسلم (2996) - ولا يمكن لأحدٍ أن يدَّعي أنه رآها على صورتها الحقيقية إلا أن يكون نبيّاً يُصدَّق قوله، وأما أن يراهم متشكلين على هيئات أحدٍ من البشر فيمكن هذا لعامة الناس وخاصتهم، وقد جاء في السنَّة النبوية من ذلك كثير، سواء في هذه الأمة أم في الأمم التي قبلها.
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو موفور العقل والدين لم يحتمل رؤية جبريل عليه السلام على صورته الحقيقية التي خلقه الله عليها، فكيف أطاقه هؤلاء - هذا إن سلَّمنا أنهم رأوه أصلاً -؟!
قال الشيخ عمر الأشقر:
ولما كانت الملائكة أجساماً نورانيَّة لطيفة؛ فإن العباد لا يستطيعون رؤيتهم، خاصة أن الله لم يُعطِ أبصارنا القدرة على هذه الرؤية، ولم يرَ الملائكةَ في صُوَرهم الحقيقية من هذه الأمَّة إلا الرسول صلى الله عليه وسلَّم؛ فإنه رأى جبريل مرتين في صورته التي خلَقه الله عليها، وقد دلَّت النصوص على أن البشر يستطيعون رؤية الملائكة إذا تمثَّلت الملائكة في صورة البشر.
" عالَم الملائكة الأبرار " (ص 11) .
وقال أيضاً - في سياق إثبات بشرية الرسل والرد على من اقترح أن يكونوا من الملائكة -:
الرابع: صعوبة رؤية الملائكة، فالكفار عندما يقترحون رؤية الملائكة، وأن يكون الرسل إليهم ملائكة لا يدركون طبيعة الملائكة، ولا يعلمون مدى المشقة والعناء الذي سيلحق بهم من جراء ذلك.
فالاتصال بالملائكة ورؤيتهم أمر ليس بسهل، فالرسول صلى الله عليه وسلم مع كونه أفضل الخلق، وهو على جانب عظيم من القوة الجسميَّة والنفسيَّة عندما رأى جبريل على صورته أصابه هول عظيم ورجع إلى منزله يرجف فؤاده، وقد كان صلى الله عليه وسلم يعاني من اتصال الوحي به شدّة، ولذلك قال في الردّ عليهم: (يومَ يروْنَ الملائكةَ لا بُشرى يومئذٍ للمُجرمين) الفرقان/22، ذلك أنَّ الكفار لا يرون الملائكة إلا حين الموت أو حين نزول العذاب، فلو قُدّر أنّهم رأوا الملائكة لكان ذلك اليوم يوم هلاكهم.
فكان إرسال الرسل من البشر ضروريّاً كي يتمكنوا من مخاطبتهم، والفقه عنهم، والفهم منهم، ولو بعث الله رسله إليهم من الملائكة لما أمكنهم ذلك (ومَا مَنَعَ النَّاس أنْ يؤمنوا إذ جاءَهُم الهُدى إلاّ أنْ قالوا أبَعَثَ اللهُ بشراً رسُولاً. قُلْ لو كان في الأرضِ ملائكةٌ يمشون مطمئنينَ لنزّلنا عليهم من السّماء ملكاً رسُولاً) الإسراء/94، 95، أما وأن الذين يسكنون الأرض بشر فرحمة الله وحكمته تقتضي أن يكون رسولهم من جنسهم (لَقَدْ مَنَّ اللهُ على المؤمنينَ إذْ بعثَ فيهم رسُولاً من أنفسِهِم) آل عمران/164.
وإذا كان البشر لا يستطيعون رؤية الملائكة والتلقي عنهم بيسر وسهولة فيقتضي هذا - لو شاء الله أن يرسل مَلكا رسولا إلى البشر - أن يجعله رجلا (ولَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لجعلناهُ رَجُلاً ولَلَبسْنا عليهم ما يلبِسون) الأنعام/9.
والتباس الأمر عليهم بسبب كونه في صورة رجل، فلا يستطيعون أن يتحققوا من كونه ملكاً، وإذا كان الأمر كذلك فلا فائدة من إرسال الرسل من الملائكة على هذا النحو، بل إرسالهم من الملائكة على هذا النحو لا يحقق الغرض المطلوب، لكون الرسول الملك لا يستطيع أن يحس بإحساس البشر وعواطفهم وانفعالاتهم وإن تشكل بأشكالهم.
" الرسل والرسالات " (72، 73) .
رابعاً:
وأما رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة فهو من أقوال المخرفين من الصوفية، ولا أصل له في الشرع ولا في واقع الحال، وقد وقعت للصحابة رضي الله عنهم أمورٌ عظيمة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، وكانوا في أمس الحاجة لوجوده بينهم، فَلِمَ لمْ يظهر لهم؟ ولم يروه وهو أحب الناس إليهم، وهم أحب الناس إليه؟!
وأما استدلال بعضهم بالحديث الذي في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة) على إمكانية رؤية النبي صلى الله عليه وسم يقظة: فليس فيه ما يدل على ما قالوه، بل هذا فيه البشرى لمن رآه في المنام أن يراه في الجنة، وليس المعنى أنه يراه يقظة في الدنيا.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
وشذ بعض الصالحين فزعم أنها تقع - يعني الرؤية - بعيني الرأس حقيقة.
" فتح الباري " (12 / 384) .
وقال النووي رحمه الله في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فسيراني في اليقظة) : فيه أقوال:
أحدها: أن يراد به أهل عصره، ومعناه: أن من رآه في النوم ولم يكن هاجر يوفقه الله للهجرة ورؤيته صلى الله عليه وسلم في اليقظة عياناً.
وثانيها: أنه يرى تصديق تلك الرؤيا في اليقظة في الدار الآخرة؛ لأنه يراه في الآخرة جميع أمته.
وثالثها: أنه يراه في الآخرة رؤية خاصة في القرب منه وحصول شفاعته، ونحو ذلك.
" شرح مسلم " (15 / 26) .
ولا يتعارض ما ذكره النووي في القول الأول مع ما أنكره الحافظ ابن حجر؛ لأن النووي ذكر أنه يراد به أهل عصره صلى الله عليه وسلم، وما أنكره الحافظ إنما هو لمن زعم الرؤية حقيقة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو العباس القرطبي - ردّاً على من قال برؤيته صلى الله عليه وسلم يقظة -:
وهذا يدرك فساده بأوائل العقول، ويلزم عليه أن لا يراه أحد إلا على صورته التي مات عليها، وأن يراه رائيان في آن واحد في مكانين، وأن يحيا الآن ويخرج من قبره ويمشي في الأسواق ويخاطب الناس ويخاطبوه، ويلزم من ذلك أن يخلو قبره من جسده ولا يبقى في قبره منه شيء، فيزار مجرد القبر ويسلم على غائب؛ لأنه جائز أن يرى في الليل والنهار مع اتصال الأوقات على حقيقته في غير قبره.
نقله عنه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (12 / 384) .
وأيضاً لو كان صحيحاً أن أحداً يرى النبي صلى الله عليه وسلم يقظة لكان عداده في الصحابة ولاستمرت الصحبة إلى يوم القيامة.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني أن ابن أبى جمرة نقل عن جماعة من المتصوفة " أنهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ثم رأوه بعد ذلك في اليقظة وسألوه عن أشياء كانوا منها متخوفين فأرشدهم إلى طريق تفريجها فجاء الأمر كذلك "! ثم تعقب الحافظ ذلك بقوله:
" وهذا مشكل جدّاً، ولو حمل على ظاهره: لكان هؤلاء صحابة، ولأمكن بقاء الصحبة إلى يوم القيامة، ويعكِّر عليه أن جمعاً جمّاً رأوه في المنام ثم لم يذكر واحد منهم أنه رآه في اليقظة، وخبر الصادق لا يتخلف.
" فتح الباري " (12 / 385) .
وفي رد علماء اللجنة الدائمة على عقيدة التيجاني قالوا:
ولم يثبت عن الخلفاء الراشدين ولا سائر الصحابة رضي الله عنهم أن أحداً منهم وهم خير الخلق بعد الأنبياء ادعى أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقظة، ومن المعلوم من الدين بالضرورة أن التشريع قد أكمل في حياته صلى الله عليه وسلم، وأن الله قد أكمل للأمة دينها وأتم عليها نعمته قبل أن يتوفى رسوله صلى الله عليه وسلم إليه، قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) المائدة/3، فلا شك أن ما زعمه أحمد التيجاني لنفسه من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة وأنه أخذ عنه الطريقة التيجانية يقظة مشافهة، وأنه عيَّن له الأوراد التي يذكر الله بها ويصلي على رسوله بها لاشك أن هذا من البهتان والضلال المبين.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 325، 326) .
وقالوا أيضاً:
فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما بلغ الرسالة وأكمل الله به دينه وأقام به الحجة على خلقه، وصلى عليه أصحابه رضي الله عنهم صلاة الجنازة، ودفنوه حيث مات في حجرة عائشة رضي الله عنها، وقام من بعده الخلفاء الراشدون، وقد جرى في أيامهم أحداث ووقائع فعالجوا ذلك باجتهادهم، ولم يرجعوا في شيء منها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن زعم بعد ذلك أنه رآه في اليقظة حيا وكلمه أو سمع منه شيئا قبل يوم البعث والنشور فزعمه باطل؛ لمخالفته النصوص والمشاهدة وسنة الله في خلقه، وليس في هذا الحديث دلالة على أنه سيرى ذاته في اليقظة في الحياة الدنيا؛ لأنه يحتمل أن المراد بأنه: فسيراني يوم القيامة، ويحتمل أن المراد: فسيرى تأويل رؤياه؛ لأن هذه الرؤيا صادقة بدليل ما جاء في الروايات الأخرى من قوله صلى الله عليه وسلم: " فقد رآني " الحديث، وقد يراه المؤمن في منامه رؤيا صادقة على صفته التي كان صلى الله عليه وسلم عليها أيام حياته الدنيوية.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 486، 487) .
وخلاصة ما سبق:
أنه لا يجوز لأحدٍ - بعد الأنبياء - أن يدَّعي رؤية الملائكة؛ فهم أجسام نورانية لم يجعل الله تعالى في مقدور البشر رؤيتهم إلا إن تشكلوا.
ولا يجوز لأحدٍ أن يدَّعي رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة، ولعل هذه الأوهام والخيالات كانت من بعض مَنْ ليس عنده علم شرعي ولا عقل ناضج فراح يتخيل ويتصور وجود ما لا حقيقة له.
والله أعلم.
‰الإسلام سؤال وجواب
اسم الکتاب : موقع الإسلام سؤال وجواب المؤلف : المنجد، محمد صالح الجزء : 1 صفحة : 160