وجوب الاعتقاد بأن متناولي العشاء يأكلون جسد المسيح بعينه على الحقيقة، ويشربون دمه نفسه على الحقيقة أيضاً. أما كيف يتحول الخبز والخمر إلى جسد ودم المسيح؛ فإن ذلك سر لا يجوز لأحد أن يسأل أو يشكك فيه وإلا عوقب بالحرمان والطرد من الملكوت.
وظاهر أن عقيدة الاستحالة مما لا يتردد العقل في إنكاره ونبذه، إذ لا يستطيع عقل سليم أن يتصور استحالة خبز وخمر إلى لحم ودم، في حين أن الآكلين يتذوقون طعم الخبز والخمر العادي، ثم إن جسد المسيح واحد وموائد العشاء تعد بالآلاف سنوياً، وفي أماكن متفرقة، فكيف يتفرق دمه وجسده عليها جميعها؟!
وإذا كانت الكنيسة تزعم أن الغاية من ذلك هو أن يدخل المسيح في أجساد الآكلين فيتمتعوا بالألوهية فهل تتحقق هذه الغاية بمجرد الاعتقاد بها؟! وما جدوى هذه الوسيلة بل هذه الغاية أصلاً؟!
إن الكنيسة استغلت بلاهة وسذاجة أتباعها، ففرضت عليهم مثل هذه العقائد الغريبة الممجوجة، لكن الفطرة البشرية لابد أن تستيقظ مهما طالت غفلتها، وذلك ما تم بالفعل، فقد أدَّى إسراف الكنيسة في الاستخفاف بعقول البشر ومعاندة الفطر الإنسانية إلى تلك الثورة العارمة ضد الكنيسة التي ابتدأت منذ اتصال أوروبة بنور الإسلام، وانتهت بانهيار الكنيسة وفقدانها معظم نفوذها وهيمنتها في القرن الماضي.
وقد كانت مسألة الاستحالة من الثغرات التي فتحت على الكنيسة ولم تستطع لها سداً بما سببت من انشقاقات دينية ونقد مرير من المؤرخين والمفكرين، وكان من أوائل المنكرين لها (ويكلف) (1)
(1) تاريخ أوروبا في العصور الوسطى: (2/ 362).