وما الرهبانية التي عرفها الناس منذ القدم إلا تطبيق عملي للتصور السلبي الخاطئ الذي نشأ عن الجهل بطبيعة الإنسان ومهمته في الوجود.
ومع أن الرهبانية بدعة بشرية مشتركة بين أديان عديدة، نلاحظ أن للرهبانية النصرانية ظروفاً وأسباباً بارزة تضافرت على إيجادها وتنميتها، حتى أصبحت أبرز مظاهر الدين الكنسي على مر العصور.
أسباب الرهبانية:
1 - عقيدة الخطيئة الأصلية الموروثة: إحدى التعاليم الكبرى في المسيحية المحرفة، وموجزها أن آدم عليه السلام أكل من الشجرة "شجرة المعرفة! " فعاقبه الله بالطرد من الجنة وأسكنه التراب، وظل الجنس البشري يرسف في أغلال تلك الخطيئة أحقاباً متطاولة، حتى أنزل الله ابنه -تعالى على ذلك علواً كبيراً- ليصلب فداءً للنوع الإنساني، وليبين للناس طريق الخلاص من هذه الخطيئة، فأصبح لزاماً على الإنسان أن يقتل نفسه لمنحها الخلاص، يقول إنجيل متى: "من أراد أن يخلص نفسه يهلكها" [1].
ويقول إنجيل لوقا: "من طلب أن يخلص نفسه يهلكها ومن أهلكها ... " [2].
ولما كانت المرأة -حسب رواية سفر التكوين- هي التي أغرت الرجل بالأكل من الشجرة، فإن النصرانية المحرفة ناصبت المرأة العداء، باعتبارها أصل الشر ومنبع الخطيئة في العالم، لذلك فإن عملية الخلاص من الخطيئة لا تتم إلا بإنكار الذات وقتل كل الميول الفطرية والرغبات الطبيعية، والاحتقار البالغ للجسد وشهواته لا سيما الشهوة الجنسية. [1] (16: 26). [2] (17: 24).