بالعقيدة ينتفي بمجرد رفضه ذلك الالتزام، وأما التفريق بين الدنيا والآخرة، بين الحركة والمصير، فقد عرضنا له عند الحديث عن الانحراف في الحياة الإسلامية، ولا بأس أن نزيده هنا شيئاً من التفصيل:
إن الدنيا في التصور الإسلامي لها قيمة ذاتية غير كونها وسيلة للآخرة، ذلك أنها المكان الذي تتجلى فيه صفات الله تعالى وأسماؤه من رحمة وغضب وعقوبة ومغفرة وقدرة وإرادة، كما أنها المكان الذي تقع فيه العبادة الاختيارية لله تعالى، ومن ثم استحقت إنزال الكتب وإرسال الرسل.
من هنا كانت كل حركة الإنسان فيها مفروضاً أن تكون لله: ((قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) [الأنعام:162] حتى الحركات التي تبدو علاقاتها بالعبادة في أذهاننا بعيدة:
فالمتعة الشخصية - مثلاً - هي عبادة لها أجرها بالنسبة للمؤمن، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وفي بضع أحدكم صدقة} الحديث.
وقال: {كل ما يلهو به الرجل المسلم باطل، إلا رميه بقوس وتأديبه فرسه وملاعبته أهله، فإنهن من الحق}.
والصناعة التي يقوم بها الفرد أو الأمة المسلمة عبادة أيضاً: ((وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ)) [الأنبياء:80].
وفى قصة ذي القرنين يبرز السياق القرآني قيمة استخدام العلم الصناعي في مصلحة البشرية على يد الخبير المسلم.