الحديثة مساراً غربياً، حتى آل الأمر إلى الواقع الفكري والأدبي المعاصر، على أن الأدب خاصة تأثر -بالرومانسية، التي اكتهلت في تلك الفترة، وفي هذا القرن استوردت الواقعية واللامعقول بمدارسه المتعددة.
أما الفكر فقد تأثر الشيخ محمد عبده بفلسفة كومت العقلية، حتى لنستطيع أن نقول: إن اتجاهه الاعتزالي يعزى إليها لا إلى المعتزلة المسلمين، ومعلوم تأثر كل زعماء الفكر في مطلع هذا القرن بالشيخ من قريب أو بعيد.
وكان من الآثار الخطرة ما حاول الشيخ ومدرسته القيام به من التوفيق بين الإيمان والنزعة العقلية، وبغض النظر عن مدى نتائجها ومقدار توفيقهم فيها، نجد أنها بدت أقل خطراً في ذلك الوقت من النزعات المتأثرة بفلسفة التطور، لاقتران الأخيرة بالمروق الصريح من الدين والدعوة إلى الإلحاد، (1)
فقد ظهر ثلاثة من الكتاب أسهموا بصفة بارزة في نقل الداروينية إلى الشرق بطريق الترجمة المباشرة وبالدراسة المستفيضة في الصحف، هم: شبلي شميل وسلامة موسى وإسماعيل مظهر [2].
والأولان نصرانيان أشهرا إلحادهما وكفرهما بكل دين، [3] أما الأخير فمسلم الأصل إلا أنه كتب ما لا يتردد أحد في نسبة قائله إلى الكفر، وكان لكتبهم وأبحاثهم الأثر الكبير في جيلهم ومن تلاه، حتى أنك لن
(1) كتب الشيخ الجسر الرسالة الحميدية، التي تعد خارقة بالنسبة لعصره بين فيها أن الداروينية في حال ثبوت فكرتها عن التطور لا تدعو مطلقاً إلى الإلحاد، انظر الفصل المخصص لذلك من كتاب قصة الإيمان لنديم الجسر. [2] ألف شبلي شميل: فلسفة النشوء والارتقاء، وسلامة موسى: نظرية التطور وأصل الإنسان وإسماعيل مظهر: ملقى السبيل في مذهب النشوء والارتقاء. [3] ولعلهما إنما يتظاهران بذلك لغرض خبيث، فقد كان سلامة موسى عضواً في جمعية الشبان المسيحيين.