وإذا اتضحت لنا هاتان الحقيقتان، نعود إلى فصل الدين عن الدولة الذي مارسته الامبراطورية الرومانية والكنيسة ابتداءً من سنة (325).
إن الكنيسة لتهتز طرباً إذا ذكر لها عام (325)، فهو يمثل في نظرها عام النصر الحاسم على أعداء المسيح وبداية العصر الجديد - عصر السيادة والحرية - بعد عصر الاضطهاد والهوان.
لقد حصلت الكنيسة على ما لم يكن ليحلم به آباؤها الأولون ... فبينما عاش المسيح والتلاميذ تحت تهديد الوالي الروماني ينظرون إلى الامبراطورية الفسيحة نظر من لا يطمع منها بشيء، نرى الكنيسة في القرن الرابع تظفر بالامبراطور نفسه صيداً ثميناً وتعمده بالماء المقدس إيذاناً بدخوله دين المسيح.
إن هذا النصر كبير، بل كبير جداً في حس الكنيسة وأتباعها، لكن الكنيسة نسيت -وما أكثر ما تنسى- قولة المسيح الصادقة: "ماذا ينتفع الإنسان إذا ربح العالم كله وخسر نفسه" [1].
فماذا ينفع الكنيسة إذا ربحت قسطنطين وإمبراطوريته وخسرت دينها وتعاليمها؟
لو أن الكنيسة ربانية حقاً لكان أول عمل عملته بعد انقضاء عهد الاضطهاد المرير هو البحث عن ذاتها هي، ببعث الإنجيل الأصلي ونشره وتحكيمه في شئون الحياة، وكان في إمكانها أن تقنع الامبراطور؛ فإما أن يقبل ذلك فيكون نصرانياً على الحقيقة، وإلا فلتكف منه بصداقته ورعايته وتمارس تطبيق شريعتها على أتباعها الحقيقيين في ظل عطف الامبراطورية، ذلك ما كان مفروضاً أن تضطلع به الكنيسة وأن يرضاه الامبراطور ويتقبله، غير أن الذي [1] متى: (16 - 27).