وموضوعها واحد، وهو تقرير حقيقة واحدة لا تختلف أبداً هي توحيد الله وعبادته وحده بالمعنى الواسع الشامل للعبادة، هكذا كانت التوارة ((وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ)) [الأعراف:145] فهي شريعة كاملة بالنسبة لعصرها قامت عليها دول تملك خصائص الدولة في ذلك العصر، وكان بعض ملوك هذه الدول من أمثال داود وسليمان عليهما السلام أنبياء يحكمون بما أنزل الله ويقيمون الحياة كلها على شرعه وأمره، وظلت التوراة ما شاء الله أن تظل منهاجاً وشريعة ((يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ)) [المائدة:44] فما كان يجوز لمؤمن بها أن يستمد تصوراته وأفكاره ولا سلوكه وتشريعاته من سواها.
أما ما وقع في حياة بني إسرائيل مما يخالف هذا فهو انحراف لا يقره الله ولا تقبله شريعته، ثم جاء عيسى عليه السلام رسولاً إلى بني إسرائيل، وهو آخر رسلهم ليصلح ما فسد ويقيم ما اعوج من عقائد وأخلاق اليهود، وليردهم إلى الأصل الثابت: توحيد الله وعبادته وحده بتحكيم شرعه واتباع منهجه.
وبما أنه مبعوث إلى بني إسرائيل خاصة، فلم يكن ناسخاً لشريعة موسى وإنما كان متماً لها، وكان الإنجيل مصدقاً لما بين يديه وإن لم يكن مهيمناً عليه [1].
وكان الجديد في شريعة الإنجيل التخفيف من بعض التشريعات التي لم تنزل شرعاً دائماً وإنما جاءت عقوبة مؤقتة لليهود، مع اشتماله على مواعظ بليغة اقتضاها ما جبل عليه اليهود من غلظة في القلوب، [1] يقول إنجيل متى عن المسيح: لا تظنوا أنى جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ما جئت لأنقض بل لأكمل (81: 5).