يسمى الوعي السياسي، بل كان الأمر متروكاً لأهواء الحاكم حتى أن الوصف الذي يطلقه بعض الباحثين الغربيين على حال المسلمين في القرن الماضي - رغم ما فيه من مبالغة - ليس بعيداً عن الصحة، ومن ذلك قول أحدهم: "قد كتبت شريعة موجزة في جبهة كل شرقي، شريعة ليس لها مثيل في الوصايا الأوروبية العشر، وهي: عليك أيها الرجل الشرقي أن تحل الرجل الذي يقيمه الله عليك ملكاً وتقدسه وتعبده، فإذا أحبك فأحبه، وإذا استلب أموالك ومتاعك واضطهدك شر اضطهاد فأحبه على ذلك أيضاً، وإياك أن تحول عن هذا له، لأنه سيدك وأنت عبده ومولاك المتصرف بك تصرف صاحب الأمانة في أمانته" [1].
ومن الوجهة التشريعية كان القضاء -غير المنظم- في العالم الإسلامي يعتمد على الشروح والحواشي والمختصرات المتأخرة التي كانت أقرب إلى الطلاسم والمعميات إلى حد جعل الذين يفقهونها - لا سيما مع الركود العلمي العام - قلة ضئيلة، ثم إنها في الحقيقة لم تكن المصدر الوحيد للتشريع، فبجانبها كانت أهواء ذوي السلطة وأعراف المجتمع وتقاليد القبيلة ... إلخ.
وإذ كان سبب هذا الواقع المؤلم هو - كما سبق - الانحراف في تصور الإسلام وفهمه، وبالتالي في تطبيقه وتحكيمه، فقد كان الحل الوحيد الصحيح للمشكلة هو العودة إلى الإسلام إيماناً جازماً وعقيدةً خالصةً وتطبيقاً كاملاً.
لكن هذه العودة لم تقع، بل كان انحراف أخطر وأعظم أنتجه الشق الثاني من الأزمة وهو تفوق الجاهلية وسيطرتها العامة. [1] ستودراد، حاضر العالم الإسلامي: (4/ 41).