بعض جوانب المأساة البشرية، تلك المأساة التي تعبر عنها جملة واحدة (البحث عن الإله) فهي ترفض الإيمان بالله كما تصوره الأديان ولكنها لا تجد البديل، والإنسان الذي تحاول تأليهه محصور مقهور أمام القدر الكوني وأمام سيطرة الآلة وأمام وضعه التاريخي المحدد، وحول إيجاد مخرج من هذا التناقض تأتي الفلسفات الوجودية بشعارات شتى، كالحرية عند سارتر والعبث عند البير كامو.
وما دامت الوجودية أولاً وأخيراً تعبيراً عن الضياع والإفلاس، فلنأخذ أحد أبطال البير كامو نموذجاً للإنسان الوجودي المتمثل في كامو نفسه: "إننى لأفكر أحياناً بما سيقوله عنا مؤرخو المستقبل، فعبارة واحدة تكفي لوصف الإنسان الحديث، كان يجامع ويقرأ الصحف، وبعد هذا التعريف لن يكون ثمة مجال لمزيد من البحث" [1]، "كان وجودي يتألف من الجسد بصورة خاصة، وهذا يفسر توافقي الداخلي وتلك السهولة في تصرفاتي التي كان الناس يشعرون بها .... "
كن واثقاً من أنني أتصرف بسهولة في كل شيء ولكنني في الوقت نفسه لم أكن لأقنع بشيء، كانت كل غبطة تجعلني أشتهي أخرى، وقد تنقلت من بهجة إلى بهجة، وكنت في بعض المناسبات أرقص ليالي كاملة ويزيد جنوني أكثر فأكثر بالناس والحياة، وفي بعض الأحيان حين يتأخر الوقت على تلك الليالي وحين يملؤني الرقص والنشوة الخفيفة وحماستي الوحشية وانطلاق الجميع بعنف بنشوة ذاهلة تعني، كان يلوح لي في اللحظة التي أكون فيها منهوكاً وبسرعة البرق، أنني كنت أفهم سر المخلوقات والعالم، ولكن التعب كان يختفي في [1] السقطة: (9 - 10).