الجرذان المسبق الذي يدعوهم إلى هجر مركب على وشك الغرق، لن يكون لنا أي مأوى في أي مكان في العالم [1].
ويصور جورجيو سبب المأساة بأن التقدم الآلي المجرد من القيم وتفوق الآلة الطاغي على الإنسان وذبول إنسانيته أمامها، كل هذا سيفضي بالمجتمع البشري إلى نهاية مرعبة، إذ يظهر سلالات من نوع خاص لا هي بشرية ولا هي آلية، أسماها المؤلف الرقيق التكني وبحكم كثرة الرقيق التكني، فإنه سوف يثور للسيطرة على العالم وسينتصر فعلاً، ويعود البشر الحقيقيون أقلية ضئيلة على الأرض:
المجتمع الحديث الذي يحوي على رجل واحد مقابل كل ثلاثين عبداً تكنياً، ينبغي أن ينظم وأن يعمل حسب النظم التكنية لأنه مجتمع خلق وبني على احتياجات ميكانيكية وليست إنسانية، وهنا تبدأ الفاجعة (!!) إن المخلوقات البشرية مرغمة على الحياة والتصرف وفق قوانين تكنية غريبة عن القوانين الإنسانية [2].
وعندما يثور العبيد الآليون فماذا ستكون النتيجة؟
إن هذه الثورة ستحدث على سطح الأرض كلها، ولن نستطيع الاختفاء لا في الغابات ولا في الجزر ولا في أي مكان، لن تستطيع أمة في العالم أن تحمينا (!!) سوف تشكل جيوش العالم كله من مأجورين يناضلون ويكافحون من أجل تدعيم المجتمع الآلي الذي لن تعيش فيه الفردية، ولعل هذا العصر هو الفترة الأكثر ظلمة في تاريخ البشرية، إذ لم يحدث لحد الآن أن احتقر الإنسان إلى هذا الحد.
والحياة البشرية لم تعد لها قيمة إلا بوصفها مصدر حركة، والقياسات [1] عن تهافت العلمانية د. عماد الدين خليل: (175). [2] المصدر السابق: (181).