لقد فوجئت أوروبا الغارقة في سبات القرون المظلمة بنور الحضارة الإسلامية، فانبهرت به وأحست بواقعها المرير تحت ضغط الكنيسة التي جثمت على فكرها وشعورها وسلوكها، وأفقدتها الإحساس بإنسانيتها.
وهذه اليقظة المفاجئة أوقعت النفسية الأوروبية في مأزق حرج، إذ تصادم في داخلها دافع ومانع قويان: الأول دافع الاستمتاع بنور الإسلام والدخول في فردوس حضارته حيث التوازن الفريد بين الدنيا والآخرة، وبين الروح والجسد، ففي ظله تنطلق إنسانيتهم لتعبر عن ذاتها بعيداً عن أغلال الرهبانية وشطط الكنيسة.
والآخر مانع التعصب المقيت والعداوة الحاقدة للإسلام وحضارته تلك التي عمقتها الحروب الصليبية، وبلغت أقصى مداها في المد الإسلامي الذي قام به المجاهدون الأتراك.
وكان المانع أقوى من الدافع فخرجت أوروبا من ذلك التناقض النفسي بالبحث عن وسيلة تتيح لها الخلاص من براثن السلطة الكهنوتية الطاغية دون أن تتخلى عن تعصبها وعداوتها للإسلام وأهله، ولم تكن تلك الوسيلة سوى عملية اجترار الماضي ببعث تراثها الوثني الإغريقي والالتصاق به لاسيما جوانبه الشهوانية البهيمية!
وهذا الاتجاه -بطبيعة الحال- أزعج الكنيسة، وإن كان أفضل لديها بكثير من احتمال إقبال أتباعها على الإسلام، وحاولت جهدها أن تسير الموجة لصالحها، وتسيطر على الوضع بحيث تبقى عقائدها وتصوراتها تصبغ الأدب وتوجهه، وتظل بصماتها بارزة في فنه المنحوت والمرسوم.
ولكن عوامل التحرر والانطلاق كانت أقوى من حواجزها، واستطاع عصر النهضة أن يخطو خطوات كبيرة وجريئة للوصول إلى