"كان الإنسان في تلك العصور يكبس منزله وهو هادئ وادع، فيحمل في جوف الليل ويعتقل الأشهر بل السنين وهو لا يدري ماهية التهمة التي سيتهم بها، لأن "خصماً" له من الجيران قد أبلغ المحكمة بأنه سمعه يقول كيت وكيت عن الرؤيا أو عن الثالوث أو عن المعجزات، ثم إذا أصر المتهم على إنكار ما نُسب إليه من التهمة جاز للمحكمة تعذيبه بأن تقطعه أشلاء شلواً بعد شلوٍ أمام عينيه، وأن تقرض لحمه بالمقراض، وأخيراً تحرقه" [1].
وكانت المحكمة عبارة عن سجون مظلمة تحت الأرض بها غرف خاصة للتعذيب، وآلات لتكسير العظام وسحق الجسم البشري، وكان الزبانية يبدءون بسحق عظام الأرجل، ثم عظام الصدر والرأس واليدين تدريجياً" حتى يهشم الجسم كله ويخرج من الجانب الآخر كتلة من العظام المسحوقة والدماء الممزوجة باللحم المفروم، وكان لدى المحكمة آلات تعذيبية أخرى منها: آلة على شكل تابوت تثبت فيه سكاكين حادة، يلقون الضحية في التابوت ثم يطبقونه عليه فيتمزق جسمه إرباً إرباً، وآلات كالكلاليب تغرز في لسان المعذب ثم تشد فتقصه قطعة قطعة، وتغرز في أثداء النساء حتى تتقطع كذلك.
وصور أخرى تتقزز منها النفوس وتشمئز لذكرها [2].
وبفضل هذا الإرهاب البالغ والطغيان العاتي، عاش الناس تلك الأحقاب ترتعد قلوبهم وترتجف أوصالهم عند ذكر الكنيسة، ووقف كبار الفلاسفة والنقاد مبهوتين مطرقين، لا يجرؤ أحدهم على التصريح بأنه لا يؤمن بالمسيحية مهما كانت آراؤه مخالفة لتعاليمها، ولم يداخل العلماء الأفذاذ آنذاك مثل " نيوتن، وبيكون، وديكارت وكانت" أن [1] حرية الفكر. [2] انظر: التعصب والتسامح محمد الغزالي، وأسبانيا أرضها وشعبها (الفصل الثامن) دورثي لودر.