ودسه في محفظته فقد أبيح له كل محظور وحل له كل حرام: ماذا عليه لو زنى وسرق وقتل، بل لو جدف وألحد وكفر ما دام الصك رهن يده؟ أليس المسيح هو الذي منحه إياه والمسيح هو الذي يدين ويحاسب؟ أتراه متناقضاً إلى هذا الحد: يمنح الناس المغفرة ثم يحاسبهم على الذنوب؟
وإذ قد اطمأن المشترى إلى هذه النتيجة فقد بقي لديه ما ينغص الفرحة، ويكدر الغبطة، ذلك أن والديه وأقرباءه قد ماتوا وليس معهم صكوك.
لكن الكنيسة الأم الرءوم لكل المسيحيين شملت الكل برحمتها، وأتمت الفرحة لزبونها فأباحت له أن يشتري لمن أحب (صك غفران)، وما عليه بعد دفع الثمن إلا كتابة اسم المغفور له في الخانة المخصصة فيغادر المطهر فوراً ويستقر في ظلال النعيم مع المسيح والقديسين.
أما الشقي النكد عديم الحظ، فهو ذلك القن الذي لم يستطع أن يحصل من سيده الإقطاعي (المغفور له) على ما يشتري به صكاً من قداسة الآباء أو المريض المقعد الذي لا يجد عملاً يخول له الحصول على المغفرة، أو الفقير المعدم الذي يعجز عن استدانة دينارين يشترى بها جنات النعيم، هؤلاء يظلون محرومين من هذه الموهبة مهما بلغت تقواهم، وعظم حبهم للمسيح وتعلقهم بالعذراء.
تلك هي المهزلة أو جانب منها، فمن أين جاءت بها الكنيسة إذا كانت الأناجيل والرسائل خالية مما يدعمها أو يدل عليها؟
إن الأساس الذي يبدو أن هذه البدعة انبثقت عنه هو الفكرة الوثنية التي ادعاها رجال الدين (فكرة القداسة)، وعن تقديس رجال الدين نشأت فكرة الاستشفاع بهم لدى الله لمغفرة الخطايا، وظل الجهلة