وكان مقتضى هذا الإدراك -من الوجهة المنهجية العلمية- أن ما يسمى "علم الكلام" الذي شغل علماء العقائد الماضون به أنفسهم أصبح مسألة تاريخية، وأن العودة إلى صفاء العقيدة الإسلامية ووضوح تصوراتها ومفهوماتها تستدعي منهجية أصيلة نقية كل النقاء من التأثيرات الإغريقية القديمة، ومن إيحاءات وسموم الغزو الفكري الحديث.
ولم يكن الإيمان بهذه الحقيقة سهل المنال؛ بل إن الرجال الذين اكتشفوها عانوا بأنفسهم مرارة التجربة وهم يحاولون دراسة الإسلام وفق منهجية غريبة عنه، ورأوا أن من حق دينهم ومن حقنا نحن الأجيال التالية ألا تتكرر المأساة، وأن ينيروا الطريق باختطاط منهج علمي أصيل، وتأسيس دراسات إسلامية تخصصية تدرس العقيدة الإسلامية، بل تدرس الأفكار والمذاهب غير الإسلامية على ضوء ذلك المنهج الأصيل.
وكان من هؤلاء الرجال: الشيخ الفاضل محمد أمين المصري رحمه الله (الرئيس السابق لقسم الدراسات العليا بكيلة الشريعة بمكة المكرمة) الذي بذل جهده لإدخال مادة "المذاهب الفكرية" ضمن برنامج الدراسات العليا لفرع العقيدة.
وكان من توفيق الله -تعالى- أن عهد بتدريس هذه المادة إلى علم من أعلام الفكر الإسلامي المعاصر، هو الأستاذ " محمد قطب" حفظه الله.
وكان من توفيقه سبحانه لكاتب هذا البحث أن يلتحق بفرع العقيدة، وأن يختار رسالته لنيل درجة التخصص الأولى "الماجستير" في هذه المادة وعلى يد ذلك الأستاذ.