اسم الکتاب : جهود علماء المسلمين في نقد الكتاب المقدس من القرن الثامن الهجري إلى العصر الحاضر عرض ونقد المؤلف : الدسوقي، رمضان الجزء : 1 صفحة : 362
ومعنى هذا أن الذي ترآى للناس ومشي، بينهم وتقلب بين ظهرانيهم باسم المسيح ليس جسدًا مجردًا من اللاهوتية بل إنما الذي فعل ذلك هو الله بعد حلوله -في زعمهم- في شخص المسيح، ولهذا أسندت إليه كل الأفعال التي قام بها المسيح بهذا الاعتبار [1].
ويجيب الإمام ابن تيميه على ذلك بأن هذا يحتاج إلى تثبيت بنوة هذين النبيين وإلى ثبوت النقل عنهما، وثبوت الترجمة الصحيحة المطابقة وبعد هذا يكون حكم هذا الكلام حكم نظائره، ففي، التوراة ما هو من هذا الجنس ولم يدل ذلك باتفاق المسلمين واليهود والنصارى على أن الله حلّ في موسى، ولا في غيره من أنبياء بني إسرائيل بل قوله يترآى هو بمنزلة يتجلى ويظهر، وقد ذكر في التوراة أنه تجلي وترآى لإبراهيم وغيره من الأنبياء عليهم السلام من غير أن تكون ذاته قد حلت بأحد منهم [2].
تفسير معنى الحلول عند النصارى ورد ابن تيمية على ذلك:
يستشهد النصارى بما ينقلونه عن النبي زكريا من قوله: "افرحي يا بنت صهيون لأني آتيك وأحل فيك وأترايا، قال الله: ويؤمن بالله في ذلك اليوم الأمم الكثيرة ويكونون له شعبًا واحدًا ويحل هو وهم فيك، وتعرفين أني أنا الله القوي الساكن فيك، ويأخذ الله في ذلك اليوم الملك من يهوذا ويملك عليهم إلى الأبد" [3].
فهم يرون في هذا نصًا صريحًا على إتيان الرب لمريم، وحلوله فيها وترائيه في شخص المسيح، وأنه هو الذي سكن فيها أي أن هذا الكلام نص صريح في عقيدة حلول الله في عيسي وظهوره في صورته كما يزعمون [4].
ويرد الإمام ابن تيميه عليهم بقوله: مثل هذا قد ذكر عندهم عن إبراهيم وغيره من الأنبياء أن الله تجلي له واستعلن له وتريا له ونحو هذه العبارات ولم يدلّ ذلك على حلوله فيه، وكذلك إتيانه وهو لم يقل إني أحل في المسيح وأتحد به وإنما قال عن بنت صهيون: "آتيك وأحل فيك".
كما قال مثل ذلك عندهم في غير هذا ولم يدل على حلوله في بشر وكذا قوله: "وتعرفين أني أنا الله القوى الساكن فيك" ولم يرد بهذا اللفظ حلوله في المسيح فإن المسيح لم يسكن بيت المقدس وهو قوي بل كان يدخله وهو مغلوب مقهور حتى أخذ وصلب -حسبما يعتقدون- أو شبهه والله سبحانه وتعالى إذا حصلت معرفته والإيمان به في القلوب اطمأنت وسكنت، وكان بيت المقدس لما ظهر فيه دين المسيح -عليه السلام- بعد رفعه حصل فيه من الإيمان بالله ومعرفته ما لم يكن قبل ذلك [5]. [1] موقف ابن تيميه من النصرانية: 1/ 242. [2] الجواب الصحيح: 2/ 237. [3] زكريا: (12/ 10 - 12) رجل بيده حبل قياس. [4] موقف ابن تيميه من النصرانية: 1/ 235. [5] الجواب الصحيح: 2/ 221.
اسم الکتاب : جهود علماء المسلمين في نقد الكتاب المقدس من القرن الثامن الهجري إلى العصر الحاضر عرض ونقد المؤلف : الدسوقي، رمضان الجزء : 1 صفحة : 362