نبيلة، وهي معرفة الأحكام الشرعية؛ إذ إن معرفة الأحكام الشرعية من الواجبات، ولا تتمّ هذه المعرفة إلا بمعرفة الأدلة، والأدلة راجعة إلى الكتاب والسنة، والمراد بالكتاب: القرآن الكريم، والمراد بالسنة: أقوال النبي -صلى الله عليه وسلم- وأفعاله، وأحواله، وتقريراته، وقد نزل القرآن بلسان عربي مبين، وجاءت أقوال النبي -صلى الله عليه وسلم- كذلك بلسان عربي، فلا سبيل إلى معرفة الأدلة إلا بمعرفة اللغة والنحو والتصريف. ومن هنا كانت معرفة هذه العلوم واجبة؛ لأن الوسائل لها حكم المقاصد، وما لا يتمّ الواجب إلا به فحكمه الوجوب.
وقوله: "ومعرفة الأدلة" فيه إظهار في موقع الإضمار، فقد كان يمكنه أن يقول: ومعرفتها. ولكنه اتجه إلى الإظهار؛ لئلا يتوهَّم متوهم أن الضمير يعود إلى الأحكام فأعاد ذكر الأدلة؛ لأنها المقصودة، فمعرفة الأدلة هي التي تتوقف على معرفة اللغة والنحو والتصريف. والمراد بالأدلة: الأدلة الأصلية، وهي الكتاب والسنة.
التواترِ والآحاد والرُّواةِ
بعد أن نقل السيوطي عن الإمام فخر الدين حكم معرفة اللغة والنحو والتصريف، نقل عنه أيضًا الطريق إلى معرفة اللغة: "وأكثر اللغة إنما يُعرف عن طريق النقل المحض -أي: النقل الخالص الذي لا شائبة للعقل فيه، ولا مجال له أصلًا، وبعض اللغة يكون طريقه النقل والعقل معًا -أي: مجموعهما- ولا يكون العقل وحده طريقًا إلى معرفة اللغة.
هذا، والنقل المحض قسمان: متواتر، وآحاد، ومعنى هذا القول أن اللغة قد وصلت إلينا منقولة إما نقلًا متواترًا يرويه الجماعة التي يستحيل عليهم الاتفاق