الزم؛ لأن اسم الفاعل فرع عن الفعل في العمل، والفروع أبدًا تنحطُّ عن درجات الأصول، وزعم بعضهم جواز ذلك مستدلِّين بقول الشاعر:
يا أيها المائح دلوي دونك ... إني رأيت الناس يحمدونك
المائح: هو الذي ينزل البئر عند قلَّة مائها؛ ليملأ منها الإناء، ووجه الاستدلال بالبيت إعراب دلوي معمولًا لاسم الفعل دونك، وقد تقدَّم المعمول عليه مما يدلّ على جواز أن يتقدم معمول اسم الفعل عليه، لكن الجمهور أبطلوا الاستدلال بهذا البيت على ذلك لماذا؟ لأنه ليس نصًّا في جواز إعمال اسم الفاعل متأخرًا؛ إذ إنه يحتمل أوجهًا أخرى غير الوجه الذي ذكره المستدلّ به، فيحتمل أن يجوز أن يكون دلوي: مبتدأ، ودونك: يكون اسم فعل فاعله مستتر فيه وجوبًا، والجملة في محل رفع خبر، ووقوع الخبر جملة طلبية سائغ، ويحتمل أن يكون خبرًا لمبتدأ محذوف، والتقدير: هذه دلوي، ويحتمل أن يكون معمولًا لفعل محذوف، والتقدير: خذ دلوي. فلما كان البيت محتملًا هذه الأوجه الظاهرة؛ لم يكن فيه دليل على أن معمول اسم الفعل يتقدم عليه.
والمثال الثالث: ذهب جمهور النحويين إلى أنه لا يجوز إبدال الظاهر من ضمير الحاضر، وخالف الأخفش في ذلك، فأجاز أن يُبدَل الظاهر من ضمير الحاضر مستدلًّا بقول الشاعر:
أنا سيف العشيرة فاعرفوني ... حميدًا قد تدرجت السنام
فأعرب حُميدًا بدلًا من الياء في: فاعرفوني، ولا حجة في البيت؛ لاحتمال أن يكون "حُميدًا" منصوبًا بإضمار فعل على المدح، كأنه قال: أعني حميدًا، أو أمدحُ حميدًا. وتدرجت السنام: بمعنى: علوت السنام، وهو من الذروة -أو الذروة بالكسر والضم-.