اسم الکتاب : شرح المفصل المؤلف : ابن يعيش الجزء : 1 صفحة : 58
الفاعل، على حدِّ "ماءٍ غَوْرٍ"، أي غائرٍ؛ ومنهم من يجعله صريحًا يقع به الطلاقُ من غير نيّةٍ، كاسم الفاعل، لكثرة إيقاع المصدر موقع اسم الفاعل وكثرةِ استعماله في الطلاق، حتى صار ظاهرًا فيه؛ قال الشاعر [من الطويل]:
17 - فإنْ تَرْفُقِي يا هِنْدُ فالرِّفْقُ أَيْمَنٌ ... وإنْ تَخْرُقي يا هندُ فالخُرْقُ أَلأَمُ
فأنْتِ الطَّلاقُ والطَّلاقُ عَزِيمَةٌ ... ثلاثًا ومَن يَخْرُقْ أَعَفُّ وأَظْلَمُ
فبينِي بها إنْ كنتِ غيرَ رَفِيقَةٍ ... فما لا مْرِىءٍ بعدَ الثلاثة مُقْدَمُ (1)
فأَوْقع "الطلاق" موقعَ "طالقٍ" على ما ترى، ويجوز أن يكون على حذف مضاف، أي: ذاتُ طلاقٍ، كما يقال: صَلَّى المَسْجِدُ، والمراد: أهلُ المسجد، {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [2]، وهو كثيرٌ.
واعلمْ أن هذه المصادر إذا أُجريت مجرى أسماء الفاعلين، ووُضعت موضعها، ذلك فيها وجهان؛ أجودُهما: أن تتركها على لفظٍ واحدٍ في الواحد والاثنين والجمع والمؤنَّث، فتقول: "أنتِ طلاقٌ"، و"أنتما طلاقٌ"، و"أنتم طلاقٌ"، و"أنتنّ طلاقٌ"؛ و"هذا رجلٌ عدلٌ"، و"رجالٌ عدلٌ"، و"نسوةٌ عدلٌ"؛ والآخر: أن تثنّي، وتجمع، فتقول: عَدْلان وعُدُولٌ؛ وأنشد ابن الأعرابيّ [من الطويل]:
18 - طَمِعْتُ بلَيْلَى أن تَرِيعَ وإنّما ... يُقَطِّعُ أعناقَ الرجالِ المَطامعُ
وبايَعْتُ لَيْلَى في خَلاءٍ ولم يكن ... شُهُودٌ على ليْلَى عُدُولٌ مَقانِعُ (3)
فجمع "عَدْلًا" و"مَقْنَعًا"، كما ترى، وقد رُوي قوله: و"الطلاقُ عزيمةٌ ثلاث"، على ثلاثة أوجهٍ:
"الطلاق عزيمةٌ ثلاثٌ"، برفع "عزيمة" ونصب "الثلاث"، و"الطلاقٌ عزيمةٌ ثلاثٌ" برفعهما، و"الطلاقُ عزيمةً ثلاثٌ" بنصب "العزيمة" ورفع " الثلاث"؛ فإذا نُصبت "الثلاث"، فكأنّه قال: أنت طالقٌ ثلاثًا، ويكون قولهُ: و"الطلاقُ عزيمةٌ" مبتدأ وخبرًا، فكأنّه قال: والطلاقُ منّي جِدٌّ غيرُ لَغْوٍ؛ وإذا رفعهما، كانت "الثلاثُ" خبرًا ثانيًا، أي
(1) الأبيات بلا نسبة في خزانة الأدب 3/ 459، 461؛ وشرح شواهد المغني 1/ 168. [2] يوسف: 82.
(3) البيت الأول للبعيث في لسان العرب 8/ 138 (ريع)، 278 (قطع)؛ وتاج العروس 21/ 137 (ريع)، 460 (طمع)، 22/ 47 (قطع)؛ ومعجم البلدان 4/ 379 (القعاقع)؛ وفصل المقال ص 408؛ والبيت الثاني لكثير عزة في ملحق ديوانه ص 532؛ ولسان العرب 11/ 430 (عدل)؛ وللبعيث في لسان العرب 8/ 278 (قطع)، 297 (قنع)؛ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص 942؛ وأساس البلاغة (قنع).
اسم الکتاب : شرح المفصل المؤلف : ابن يعيش الجزء : 1 صفحة : 58