اسم الکتاب : شرح المفصل المؤلف : ابن يعيش الجزء : 1 صفحة : 282
حكاه يُونُسُ مرفوعًا، كأنِّه قال: "أمري عجبٌ". قال سيبويه [1]: وسمعنا من العرب الموثوقِ بعَرَبيّتهم مَن يقال له: "كيف أصبحتَ"، فيقول: "حمدُ الله، وثَناءٌ عليه" بالرفع، كأنّه قال: "أمري، وشأني حمدُ الله وثناءٌ عليه"، والنصب هو الوجه على الفعل المتروكِ إظهارهُ.
* * *
قال صاحب الكتاب: "ومنه إنما أنت سيراً سيراً, وما أنت إلا قتلاً قتلاً, وإلا سير البريد, وإلا ضرب الناس, وإلا شرب الإبل",ومنه قوله تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [2] , ومنه مررت فإذا له صوت صوت حمار، وإذا له صراخ صراخ الثكلى، وإذا له دقٌ دقك بالمنحاز حب القلقل" [3].
* * *
قال الشارح: إنّما يُقال هذا لِمن يكثُر منه ذلك الفعلُ، ويُواصِله، فاستغنى بدلالةِ الصدر عن إظهاره، وليس ذلك ممَّا يختصّ بالمخاطَب، بل تستعمله في الإخبار عن الغائب، كما تستعمله في المخاطب، فتقول: "زيدٌ سَيْرًا سَيْرًا" إذا أخبرتَ عنه بمثلِ ذلك المعنى. وتقول: "أنتَ الدَّهْرَ سَيْرًا سَيْرًا"، و"أنتَ هذا اليومَ سيرًا سيرًا"، و"كان عبدُ الله سيرًا سيرًا" إذا أخبرتَ بشيء متّصِلٍ بعضُه ببعضٍ. وإن رفعتَ، وقلت: "ما أنت إلا سيرٌ سيرٌ" على معنَى "ما أنت إلَّا صاحبُ سير"، وحذفتَ الصاحب، وأقمتَ السير مُقامَه، لم يدل على كثرةِ ومواصلةٍ كما دلّ النصبُ، إنّما أخبرتَ أنّه صاحبُ سير لا غير.
واعلم أنّك إذا رفعتَ كان على وجهَيْن:
أحدُهما: أن يكون على حذفِ مضاف، وهو صاحبٌ، على ما تقدّم.
والثاني: أن تجعله نفسَ السير والقتلِ، لمّا كثُر ذلك منه توسُّعًا ومَجازًا، كما يُقال: "رجلٌ عَدْلٌ ورِضَى" إذا كثُر عدلُه والرضى عنه، كما يُقال [من البسيط]:
159 - تَرْتَعُ ما غَفَلَتْ حتى إذا اذَّكَرَتْ ... فإنّما هي إقبالٌ وإدبارُ
= والشاهد فيه قوله: "عجب" حيث رفع "عجب" على الابتداء مع أنّه نكرة، أو على إضمار مبتدأ تقديره: "أمري عجب" فكلمة عجب تفارق "سبحان الله" من جهة أنّها تتصرّف فتستعمل مرفوعة. [1] الكتاب 1/ 319 , 320. [2] محمَّد: 4. [3] إن القول: "دقَّكَ بالمنحاز حبَّ القلقل" من أمثال العرب، وقد ورد في زهر الأكم 2/ 241؛ وفصل المقال ص 434؛ وكتاب الأمثال ص 311؛ ولسان العرب 5/ 415 (نحز)، 11/ 567 (قلل)؛ ومجمع الأمثال 1/ 265؛ والمستقصى 2/ 80.
والمنحاز: الهاون، المِهراس. والقلقل: نبت له حبّ أسود أصلب ما يكون من الحبوب. يضرب في الإلحاح على الشحيح.
159 - التخريج: البيت للخنساء في ديوانها ص 383؛ والأشباه والنظانر 1/ 198؛ وخزانة الأدب 1/:=
اسم الکتاب : شرح المفصل المؤلف : ابن يعيش الجزء : 1 صفحة : 282