اسم الکتاب : شرح المفصل المؤلف : ابن يعيش الجزء : 1 صفحة : 253
وكذلك النكرة الموصوفة بالفعل أو الظرفِ أو الجارِّ والمجرورِ، نحو: "كلُّ رجل يأتيني، أو في الدار فله درهم" حكمُه حكم الموصول في دخولِ الفاء في خبرها لشَبَهها بالشرط والجزاء كالموصول, لأن النكرة في إبهامها كالموصول إذا لم يُرَد به مخصوصٌ. والصفةُ كالصلة، فإذا كانت بالفعل، أو ما هو في تقدير الفعل من جارّ ومجرور، كانت الموصول في شَبَهِ الشرط والجزاء، فدخلت الفاءُ في خبرها كدخولها في خبرِ الموصول. فإن وقع في الصلة شرطٌ وجزاءٌ، لم تدخل الفاءُ في آخِرِ الكلام. وذلك قولُك: "الذي إن يَزُرْني أزُرْهُ له درهمٌ"، ولو قلت هنا: "فَلَهُ" لم يجز, لأنّ الشرط لا يُجاب دفعتَيْن وكذلك "كلُّ رجل إنْ يَزُرْني أُكْرِمْه له درهمٌ"، ولا يجوز "فله درهم", لأن الصفة قد تضمَّنت الجوابَ، ولم يُحْتَجْ إلى إعادته، ولو قلت: "الذي أبوه أبوك فزيدٌ"، لم يجز، لأنّه لم يتقدّم في الصلة ما يصِح به الشرطُ، وكذلك لو قلت: "كلُّ إنسان فله درهمٌ"، لم يجز؛ لأنّه لم تتقدّم صفةٌ يُسْتفاد منها معنى الشرط، فجرى هذان في الامتناع مجرى "زيدٌ فقائمٌ"، و"عمرٌو فمنطلقٌ".
فإن دخلتْ على هذا الموصولِ، أو النكرةِ الموصوفةِ الحروفُ الناصبةُ للمبتدأ الرافعةُ للخبر، وهي: "إنَّ"، و"أنَّ"، و"كَأنَّ"، و"لَيْتَ"، وَ "لَعَلَّ" و"لكِنَّ"، فذ هب سيبويه إلى أنّ "كَأنَّ" و"لَيْتَ" و"لَعَل" و"لكِنَّ" تمنع من دخولِ الفاء في الخبر, لأنها عواملُ تُغيِّر اللفظَ والمعنى، فهي جاريةٌ مجرَى الأفعال العاملةِ، فلمّا عملتْ في هذه الموصولاتِ والنكرةِ الموصوفةِ، بُعدتْ عن الشرط والجزاء، فلم تدخل الفاءُ في خبرها كدخولها في خبرِ الموصولات إذا لم يكن فيها أدواتُ الشرط، ولا يعمل فيها ما قبلها من الأفعال وغيرِها. وأمّا "إِنَّ" فذهب سيبويه إلى جوازِ دخول الفاء في خبرها مع هذه الأشياء لأنها، وإن كانت عاملةً، فإنها غيرُ مُغيِّرة معنى الابتداء والخبرِ، ولذلك جاز العطفُ عليها بالرفع على معنى الابتداء. وقال الأخفش: لا يجوز دخول الفاء مع "إنَّ" عاملة كأخواتها. والأوّلُ أقرب إلى الصحّة. وقد ورد به التنزيلُ قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [1]، وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} [2] إلى أن قال: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [3]، وقال: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ} [4]، فأدخل الفاءَ في الخبر. فالأخفشُ يحمل الفاءَ في ذلك كلِّه على الزيادة، والأوّل أظهرُ لأن الزيادة على خِلافُ الأصل، وسيُوضَح ذلك في حروف العطف إن شاء الله تعالى. [1] الأحقاف: 13. [2] آل عمران: 21. [3] آل عمران: 21. [4] الجمعة:8.
اسم الکتاب : شرح المفصل المؤلف : ابن يعيش الجزء : 1 صفحة : 253