اسم الکتاب : شرح المفصل المؤلف : ابن يعيش الجزء : 1 صفحة : 197
بوجودِ الإعراب؛ ألا ترى أنك تقول: "ضرب زيدٌ عمرًا"، و"أكرم أخاك أبوك"، فيُعْلَم الفاعل برَفْعه، والمفعولُ بنَصْبه، سواءٌ تقدّم أو تأخّر. فإن قيل: فأنت تقول: "ضَرَبَ هذا هذا"، و"أكرم عِيسَى مُوسَى"، وتقتصر في البيان على المرتبة. قيل: هذا شيء قادت إليه الضرورةُ هنا لتعذُّر ظهور الإعراب فيهما, ولو ظهر الإعرابُ فيهما، أو في أحدهما، أو وُجدت قَرِينةٌ مَعْنَويّةٌ أو لفظيّةٌ، جاز الاتّساعُ بالتقديم والتأخير؛ نحوُ: "ضرب عيسى زيدٌ". فظهورُ الرفع في "زيد" عرّفك أن "عيسى" مفعولٌ، ولم يظهر فيه الإعرابُ. وكذلك لو قيل: "أكَلَ كُمَّثْرَى عيسى"، جاز تقديمُ المفعول لظهورِ المعنى لِسَبْق الخاطر إلى أن الكمّثرى مأكولٌ. وكذلك لو ثنّيتَهما، أو نعتَّهما، أو أحدهما، جاز التقديمُ والتأخيرُ، فتقول: "ضرب المُوسَيانِ العِيسَيَيْن"، و"ضرب عيسى الكريمَ موسى"، فحينئذ يجوز التقديم والتأخير في ذلك كلّه، لظهورِ المعنى بالقرائن.
واعلم أنهم قد اختلفوا في الإعراب ما هو؟ فذهب جماعةٌ من المحقّقين إلى أنّه معنى؛ قالوا: وذلك اختلافُ أواخرِ الكَلِم، لاختلافِ العوامل في أوّلها، نحو: "هذا زيد"، و"رأيت زيدًا"، و"مررت بزيدٍ". والاختلافُ معنى لا محالةَ.
وذهب قومٌ من المتأخّرين إلى أنه نفسُ الحركات. وهو رأيُ ابن دُرُسْتَوَيْهِ. فالإعرابُ عندهم لفط لا معنى، فهو عبارةٌ عن كلّ حركة أو سكونِ يَطْرَأ على آخر الكلمة في اللفظ، يَحْدُث بعاملٍ، ويَبْطُل ببُطْلانه.
والأظهر المذهب الأول، لاتفاقهم على أنهم قالوا: حركاتُ الإعراب. ولوكان الإعرابُ نفسَ الحركات، لكان من إضافة الشيء إلى نقسه، وذلك ممتنعٌ.
وقوله: "وُجوه الإعراب"؛ يريد به أنواع إعراب الأسماء التي هي الرفع والنصب والجرّ؛ لأنه لمّا كانت معاني المسمّى مختلفة، تارةً تكون فاعلة، وتارةً تكون مفعولة، وتارةً تكون مضافًا إليها؛ كان الإعرابُ المضافُ إليه مختلفًا، ليكون الدليل على حسب المدلول عليه.
واعلم أن سيبويه فصل بين ألقابِ حركاتِ الإعراب، وألقاب حركات البناء؛ فسمّى حركاتِ الإعراب رفعًا ونصبًا وجرًّا وجزمًا، وحركاتِ البناء؛ ضمًّا وفَتْحًا وكَسْرًا ووقْفًا، للفرق بينهما [1]. فإذا قيل: هذا الاسم مرفوعٌ، أو منصوبٌ، أو مجرورٌ، عُلم بهذه الألقاب أن عاملًا عمِل فيه، يجوز زوالُه ودخولُ عامل آخر يُحْدِث عملَه، ووقعت الكفايةُ في الفرق بهذا اللفظ، وأغنى عن أن يقول ضمّةٌ حدثت بعامل، أو فتحةٌ حدثت بعامل، أو كسرة حدثت بعامل، فكان في التسمية فائدةُ الإيجاز والاختصار. [1] الكتاب 1/ 13 - 20.
اسم الکتاب : شرح المفصل المؤلف : ابن يعيش الجزء : 1 صفحة : 197