اسم الکتاب : شرح المفصل المؤلف : ابن يعيش الجزء : 1 صفحة : 165
والأمكنُ، على زنة "أفْعَلَ" التي للتفضيل؛ أي: هو أتمُّ تمكُنًا من غيره، لم يعرض فيه شَبَهُ الحرف، فيُخْرجَه إلى البناء؛ ولم يشابه الفعلَ، فينقُصَ تمكُّنُه، ويمتنعَ منه بعضُ حركات الإعراب، وهو الجرّ، ويمتنعَ منه التنوينُ الذي هو من خصائص الأسماء؛ فكان بذلك أمكنَ من غيره؛ أي: أرسخَ قدمًا في مكانه من الاسميّة. وقد ذهب بعضهم إلى أن "المَكان" مأخوذٌ من "كَانَ يَكُونُ"، فهو"مَفْعَلٌ" منه، كـ "المَقام"، و"المَراح". ولا أراه صحيحًا، لقولهم: "تَمَكَّنَ". ولو كان من الكَوْن، لقيل: تَكَوَّنَ. فأمَّا "تَمَسْكَنَ"، و"تَمَدْرَعَ" فقليل، من قبيل الغلط، لا يُقاس عليه. وقد قالوا في الجمع: "أمْكِنَةٌ". وهذا نَصّ.
الضرب الثاني، وهو غير المنصرف. وهو ما يشابه الفعلَ من وجهَيْن؛ فلم يدخله جرٌّ ولا تنوينٌ، ويكون آخِره في الجرّ مفتوحًا؛ نحوَ: "هذا أَحْمَدُ، وعُمَرُ"؛ و"رأيت أحمدَ وعمرَ"؛ و"مررت بأحمدَ وعمرَ". والبغداديّون يسمّون بابَ ما لا ينصرف: بابَ ما لا يُجْرَى. والصرفُ قريبٌ من الإجراء, لأنّ صَرْف الاسم إجراؤُه على ما له من الأصل، من دخولِ الحركات الثلاث التي هي علامات الإعراب، ويدخله التنوينُ أيضًا؛ وذلك لأنّ الاسم بإطلاقه يستحقّ وجوهَ الإعراب للفرق بين المعاني الطارئة عليه بعد دلالته على مسمّاه.
والاسم على ضربَيْن: نكرةٌ، ومعرفةٌ. والنكرةُ هي الأصل، والأخفُّ عليهم، والأمكنُ عندهم. والمعرفةُ فرعٌ. فلمّا كانت النكرةُ أخفّ عليهم، ألحقوها التنوينَ دليلًا على الخفّة. ولذلك لم يلحق الأفعالَ لثِقَلها.
ولا بدّ من بيانِ ثقل الأفعال. فإنّ مَدارَ هذا الباب على شَبَهِ ما لا ينصرف بالفعل [1] في الثقل، حتىّ جرى مجراه فيه، ولذلك حُذف التنوين ممّا لا ينصرف لثقله، حَمْلاً على الفعل. وإنمّا قلنا: إن الأفعال أثقلُ من الأسماء لوجهَن:
أحدهما: أنّ الاسم أكثرُ من الفعل؛ من حيثُ أنّ كلّ فعلٍ لا بدّ له من فاعلٍ اسم يكون معه، وقد يستغني الاسمُ عن الفعل. وإذا ثبت أنّه أكثرُ في الكلام، كان أكثر استعمالًا؛ وإذا كثُر استعماله، خَفَّ على الألسِنة لكثرة تداوُله. ألا ترى أن العَجَميّ إذا تعاطَى كلامَ العرب، ثقُل على لسانه لقِلّة استعماله له؛ وكذلك العربي إذا تعاطى كلامَ العجم، كان ثقيلًا عليه لقلّة استعماله له.
الوجه الثاني: أن الفعل يقتضي فاعلًا ومفعولًا، فصار كالمركَّب منهما، إذ لا يستغني عنهما. والاسم لا يقتضي شيئًا من ذلك، إذ هو سِمَةٌ على المسمى لا غيرُ، فهو مفردٌ، والمفردُ أخفُّ من المركّب.
فقد ثبت بهذا البيان أن الأفعال أثقل من الأسماء. وهي مع ثقلها فروعٌ في الأسماء [1] في الطبعتين: "الفعل"، والتصحيح عن جدول التصحيحات الملحق بطبعة ليبزغ ص 904.
اسم الکتاب : شرح المفصل المؤلف : ابن يعيش الجزء : 1 صفحة : 165