وحكم الشريعة الإسلامية بجواز الجراحة الطبية في الجملة فيه معونة للأطباء على تحقيق هدفهم المنشود وهو تخفيف آلام الإنسانية، وذلك ليس بغريب على هذه الشريعة السامية التي جاءت بطب الأرواح والأبدان [1]، كما أن فيه تشجيعاً لهم على تعلم الجراحة وتطبيقها والإبداع فيها بابتكار الطرق السهلة النافعة، لأن الطبيب المسلم متى وجد شريعته تبيح له تعلم الجراحة وتطبيقها دعاه ذلك إلى البحث عن أسهل الطرق وأفضل الوسائل طلبًا لمرضاة الله عز وجل في تخفيف آلام إخوانه المسلمين وتفريج كرباتهم.
شبهة وجوابها:
لو قال قائل: إن الشريعة الإسلامية تقدم درء المفاسد على جلب المصالح في الاعتبار كما هو معلوم من قواعدها [2].
والجراحة الطبية تشتمل على مفاسد عديدة منها: تعذيب المرضى [1] أما كون الشريعة جاءت بطب الأرواح فذلك تشهد به آيات القرآن الشافية من أمراض القلوب الروحية والهادية إلى صراط الله المستقيم كما أشار الله تعالى إلى ذلك في مواضع من كتابه كقوله سبحانه: {يَا أيُّهَا النَاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعظةٌ من ربَّكُمْ وَشفَاءٌ لماَ في الصُّدُور ... } ففيه الشفاء من العقائد الزائفة والفتن والضلالات الموهمة. تفسير أبي السعود 2/ 325. وكذلك جاءت السنة النبوية المبينة لهذا القرآن بالعلاج نفسه. وأما كونها جاءت بطب الأبدان فذلك أمر تشهد به الأحاديث النبوية التي ورد فيها الأمر بالتداوي وندبه، ودلت على جملة من الأدوية النافعة بإذن الله تعالى حتى إن بعض أهل العلم -رحمهم الله- أفردها بمؤلف مستقل، ومن تلك المؤلفات على سبيل المثال: كتاب الطب النبوي للإمام ابن القيم، ومثله للحافظ الذهبي، وكتاب الطب من الكتاب والسنة للإمام موفق الدين عبد اللطيف البغدادي، وغيرها من المخطوطات والمطبوعات كثير. [2] من قواعد الشريعة الإسلامية: "درء المفاسد أولى من جلب المصالح".
انظر الأشباه والنظائر للسيوطي ص 87، والأشباه والنظائر لابن نجيم ص 90.